مقال جاكلين سلام عن الليالي العربية الجديدة ونادي الانتحار للقاص الانكليزي لويس ستيفنسون في محاضر بورخس

 

 

العضوية في نادي الانتحار والليالي العربية الجديدة

ملعونة تلك الجوهرة  التي أريق من أجلها الدم

مقاربات نقدية للاكاديمي والباحث"بورخس| 

جاكلين سلام

في كتاب صدر بالانكليزية مترجما عن الاسبانية بعنوان “البرفسور بورخيس، منهاج عن الأدب الانجليزي” ويضم عددا من البحوث المتعلقة في جذور الادب الانجليزي. هذه المحاضرات ألقاها الكاتب الارجنتيني جورجي لويس بورخيس امام طلابه في حقل دراسة الأداب الانجليزية وذلك عام 1966 وتعود الى الصدارة لما لهذا الكاتب من أهمية أكاديمية وإبداعية على المستوى العالمي.

 يخصص بورخس في منهاجه الاكاديمي محاضرة عن الكاتب الانجليزي الشهير “روبرت لويس ستيفنسن” الذي يعتبر أب القصة القصيرة الانكليزية وبخاصة في مجموعتة القصصة التي نشرت عام 1882 تحت عنوان “الليالي العربية الجديدة” حيث تضم قصصا نذكر منها ” نادي الانتحار” حيث الكاتب  يدع ثيمة الانتحار والقتل والعنف تأخذ مداها الخيالي المشوق.

ولعل هذا يتقاطع  مع نسق اخر إذ نجد أن الانتحار التفجيري من أجل فكرة دينية أو قومية أو دفاعية صار وجها من أوجه التجديد في ارتكاب العنف تحت مسمى النضال ولدرجة فاقت مخيلة الكتاب سواء في الشرق أو الغرب.

شهوة القتل ليست طارئة على الثقافات العالمية وفي المخيلة الجمعية، الأسطورية، الدينية والكتب الأدبية كما نعلم. وهذه التجليات تحضر في أشنع صورها اليوم في بلاد الشام، سوريا والعراق من قبل المتطرفين الارهابيين تحت مسميات وتنظيمات شتى- كداعش وأخواتها وليس حصرا. لكأن بضاعة الشرق المتخيلة والواقعية ردت إليه بصورة واقعية أكثر إيلاماً. في شارع القرن21 حيث نسمع و نقرأ عن مجموعات تنظم الافراد وتوجههم للانتحار تحت مسمى “الجهاد” من أجل الله أو الوطن. التاريخ العربي الحديث يعج بهذه الحركات المتطرفة، والتوجهات الغارقة في نبذ الحياة الدنيا، من أجل آخرة متخيلة.

 

الانتحار والقتل يأخذ محور القصص الثلاث في المجموعة والتي استقاها الكاتب –كما يشير بورخيس- من أجواء “الف ليلة وليلة” والتي تعرف غالبا في الانكليزية بـ” الليالي العربية” بعد أن قرأ النسخة المترجمة الى الانكليزية. يشير بورخيس أن الكاتب الانكليزي مهم في ليالي لندن مستذكرا الخيلفة هارون الرشيد الذي كان وأعوانه يهيم في ليل بغداد ليسمع الحكايا ويزجي عن نفسه الضجر، فكتب قصصا خيالية مشوقة ومثيرة وغريبة الأطوار، بعد أن قدم إليها من ادبنره.

في قصص "ستيفنسون" نتوقف امام قصة شهيرة “نادي الانتحار” حيث ابتكر الكاتب شخصية ” فلوريزل-أمير بوهيميا” ومساعده “الكولونيل جيرالدين” الذين تخلا عن حياتهما العادية وانصرفا للتيه في شوارع لندن. أبدع الكاتب شخصية فانتازية وساخرة لرجل يدعى”مالثوس” كان يريد أن ينتحر ولم يستطع فوجد هناك "نادي الانتحار".

رئيس النادي رجل أراد الاستفادة من أعضاء نادي الراغبين في الانتحار كي يرتزق منهم. وضع للنادي شروطا منها دفع رسوم عضوية مادية عالية نوعا ما، كما فرض على الاعضاء السرية التامة حيال  الموضوع. أما الأعضاء فهم من شتى الاعمار والمقامات. افراد وجدوا أن حياتهم لا معنى ولا قيمة لها فأردوا أن يتخلصوا من وجودهم ومآسيهم، وكان النادي وسيلة لتحقيق غايتهم.  هناك شخصية مالثوس مثلا، رجل كان يعاني من الشلل ولم يبق لديه في الحياة ما يخسره، وأدرك أن أصعب التحديات التي تواجه الانسان هي الخوف. وكان يعتقد بأنه قد تغلب على فكرة الخوف وأصبح همجياً فظاً.

الأحداث في “نادي الانتحار” تدور في محيط مدينة لندن. يحتمع الاعضاء أسبوعيا، يشربون الشمبانيا، يتبادلون النكات في أجواء تشابه أجواء كتابات القاص”ادغار الان بو” وتتم اللعبة على الشكل التالي: يتحلق الاعضاء حول طاولة اللعب. الرئيس يقوم بالتأكد أن لا جواسيس في الجلسة، ثم يبدأ بتوزيع اوراق اللعب-52 ورقة- يوجد بينها 2 اس أسود. يتفحص كل فرد الورقة التي تصله. إذا حصل العضو على الأس الأسود الأول، سيترتب عليه قتل العضو الاخر الذي يملك “الأس” الثاني. ويجب أن يقتله بشرط أن يبدو كما لو أن موته مجرد انتحار لا يد لأحد فيه.

في الجلسة الأولى تضع الأقدار السيد “مالثوس” في خانة الشخص الذي سوف يُقتل. ورغم كونه صاحب الفكرة إلا أنه في لحظة سماعه الحكم وقف مذهولا على رجليه لدقائق وهو مشلول اساسا، ثم انهدّ في كرسيه. وفي اليوم التالي وصل إلى الاهالي خبر انتحار “مالثوس” الموقر وسقوطه عن احد الجسور في لندن. تأخذ القصة مجرى مشوقا ويبدأ التحري ويقرر “الامير فلوريزل” أن يقتل رئيس النادي ويمنع انضمام أحد إليه بعد.

ثيمة القتل ترد في القصص الاخرى لمجموعة” الليالي العربية الجديدة” فهناك القتل من اجل الحيازة على” جوهرة راجا” التي يُبذل الدم غزيرا من أجل الحصول عليها. وحين تكون في حيازة الأمير الذي يقول للمحقق وهو جالس على ضفة نهر التايمز ” حين أفكر بالدم الذي أريق، والجرائم التي ارتكبت من أجل هذه الحجرة، أعتقد يجب أن نلعنها حتى الموت” وعدها يضع يده في جيبه وبسرعة يرمي الجوهرة في “التايمز ” وتضيع إلى الأبد.

العودة إلى محاضرات بورخيس المسجلة بالاسبانية وترجمتها غلى الانكليزية ليس الا شهادة تقدير لهذا العبقري الذي أغدق المكتبة العالمية بكنوز الابداع في القصة والشعر والمحاضرات والدراسات الأدبية. هذه المحاضرات تعتبر وثيقة مهمة في دراسة الأدب الانكليزي وجذوره منذ القرن 17-18-19 وصولا إلى القرن العشرين. تناول بورجس في هذا الكتاب سيرة حياة “روبرت لويس سيتفنسون” الذي اشتهر في كتاب اليافعين” جزيرة الكنز” بالاضافة الى دراسة شعر وليم بليك، صاموئيل جونسون، وجذور الادب الجرماني، وشعراء الحقبة الرومانسية...

جورجي لويس بورخيس، البروفيسور الأعمى قال في إحدى حواراته كما جاء في مقدمة الكتاب: “أعرف، أو بلغني، بما أنني لا أستطيع أن أرى هناك طلاب يأتون إلى صفي أكثر وأكثر، والكثير منهم ليس مسجلا في المنهاج. لهذا نستطيع أن نتخيل أنهم كانوا يأتون لأنهم يريدون أن يستمعوا إلي. أليس كذلك؟ ” ونحن الآن ننقل الى القارئ العربي بعض أفكار وبحوث بورخيس لأننا نثمن ما ترك للمكتبة من أثر.


جاكلين سلام، كاتبة سورية-كندية


صحيفة( عمان-مسقط- ( الأثير)

30 November 2014

https://www.atheer.om/archives/8780/




تعليقات

جاكلين سلام

حضانة الاطفال والحقائق المرة عن محكمة الاسرة في كندا

شعرية الكريستال قراءة نقدية في مجموعة كريستال للشاعرة جاكلين سلام. د. محمد فكري الجزار

about " Anne of green Gables"

قسوة الهجرة الى كندا في مذكرات سوزانا مودي، جاكلين سلام

مراجعة كتاب وقراءة في "نادي الانتحار" والليالي العربية الجديدة

مشاركة جاكلين سلام في مؤتمر اعدت له الجامعة الكندية ( ماكماستر) حول اللغة والمنفى

انشغالات جاكلين سلام في الدستور الاردنية

حوار مع الناقد محمد عباس في صفحة منتدى مدينة على هدب طفل 2004

نصوص من مجموعة المحبرة أنثى