حوار مع الناقد محمد عباس في صفحة منتدى مدينة على هدب طفل 2004
الفلسفة والأدب، النسوية والأنوثة.
. محمد العباس/السعودية
جاكلين سلام/كندا
بمثابة مقدمة:
كلنا منشغولون بالجديد الذي تطرحه وتهيئ له هذه الشبكة الالكترونية، متوجسون أو مبتهجون
بمستجداتها على واقع الثقافة العربية. والمتتبع(ة) لهذه البوتقة لا بد سيقرأ رتماً
جديدا ومتقدما في العلاقة ما بين المبدع( ة) والمتلقي(ة)، ما بين المبدع وأقرانه في
البلاد العربية والعرب في المهاجر وتعداه إلى تأهيل المرحلة لحوارات بين كتاب الشرق
والغرب، لتسجيل إضافات فكرية ومعرفية وخلال فترات زمنية ماكان لها أن تنجز هذه القفزة
العالية والمهمة والسريعة والواعدة بانبثاقات مستقبلية، لولا هذا الجانب الايجابي من
تطور التكنولوجيا، التي تجعلنا نغز الخطى نحو الكونية- الجانب الجمالي والإنساني من
أبواب المعرفة والعلم.
أترك هذا الحوار عينة بين يدي القارئ(ة) المتهم. ليخلص إلى نتيجة ما، وهل حقاً ثمة تطور
ونمط جديد من التواصل الإبداعي، وإلى أي مدى يتفوق فيه الإيجابي على السلبي؟
كيف تم إعداد الحوار:
في منتدى مدينة على هدب طفل، المعني بالثقافة والشعر، اقترح أعضاء المدينة اختيار الكاتب
السعودي محمد العباس، ضيفاً لمحاورته وتقليب صفحات في النقد والكتابة ومختلف الاهتمامات
التي يعنى بها مثقفو اليوم.
هذا السجال مقتطف من سياق الحوار الذي شاركت فيه ببعض المداخلات والأسئلة.
إلى أي مدى، كسرت اغتراب المثقف(ة) العربي، عن جذور ثقافته، وإلى أي مدى يمكن للمهجريين
تسجيل حضورهم وفعاليتهم ضمن مستجدات العصر وثورته التكنولوجية؟!
فقرات الحوار:
تم تقديم الحوار على ثلاثة مراحل وعلى فترات زمنية متباعدة نسبيا. مقدمة الحوار مأخوذة
من الورقة التي كتبتها محمد البعس في مفتتح الحوار، التي بدأ سؤالي منها وانتهى بالتطرق
إلى كتابه النقدي الجديد "سادنات القمر/ سرانية الخطاب الأنثوي"
مدخل الى الحوار:
يقول محمد العباس في ورقة أولى لاصدقائه المحاورين والقراء:
أعدكم بحوار شاعري فلا تضطروني دائما لاصطحاب أصدقائي رولان بارت وجاك لاكان وموريس
بلانشو. وخصوصا أني أعيش حالة حب مع، وضد، ومن أجل امرأة رائعة، سأكاتبكم من حضنها..
استغلوا الفرصة وحاوروني.. "
19/6/2004- محمد العباس
المحور الأول من الحوار:
جاكلين سلام: الأستاذ الناقد محمد العباس
هذه أول مخاطبة بيننا/ شكرا للمدينة
سعيدة بحضورك بين صعاليك المدينة، نتقاسم رغيف الكلمة، جداول الحبر، وقد نغادر على عطش
ستسمح لي بقليل- بكثير من مشاكسة وسأثقل عليك طبعا
سأقتصر على جانب واحد- حاليا - يخص المرأة/الكاتبة
مفهوم الذكورة/الانوثة في القصيدة وفي الشارع الموازي للحياة
1- ماهو بتقديرك الإنطباع الأول ورد فعل القارئ(ة) لو ابتدأت ككاتبة، موضوعي إلى القارئ
بالقول
" انني أكتب اليكم من حضن امرأة رائعة "
ولن أقول من حضن رجل رائع، لأنني أكتب من حضن كمبيوتري-المخلصة حتى اللحظة
هذا ولافترض- بمقاربة نيتشوية - أنك تكتب من حضن الحياة، وأنا من قارعتها- من رصيف
الاغتراب!
2- لا تأخذ السوط معك ... خذ كتابا ووردة / إليها-الى المرأة
إذا كانت "الحياة امرأة" بالمنظور النيتشوي، الذي يبدو لي انك فيه، ومن مجرى الحوار
فهل تستحق (الحياة - المرأة ) أن نذهب إليها بالسوط ؟
أو نلوح لها بالسوط، كلما أغرتنا بتفاحها اليانع وامتنعتْ؟
3- هل الحياة "رائعة" حقا!! أم أن فعل الكتابة يجعلنا نطيقها وإن لم ... فأننا ننتحر؟
4- ألا تعتقد معي أن نسبة المبدعات المنتحرات في العالم أكثر من نسبة المبدعين المنتحرين
؟
ولم اسمع عن انتحار كاتبة عربية-وقانا الله من كل شر
5- ألم يكن ابداع ونسق حياة " آنّا اخماتوفا " الروسية الفاتنة، صفعة للذكورة
الستالينية، بينما الذكورة ذاتها أرهقت مايا كوفسكي حتى الانتحار، وآخرون الى المصحات
النفسية؟
6- ماذا يكون انطباع القارئ إن قلتُ: انني اكتب من قارعة العالم- من قمقم الصقيع
من مقهى على رصيف "داون تاون تورنتو " أو أكتب من " لحرملك"؟
7- إلى أي حد- قد - تختلف بنية وملابس وبراقع القصيدة التي تكتبها امرأة تعيش في
الحرملك، وأخرى تكتب من مقهى نصفه أنصاف مجانين وثمالى بالحياة معنويا أو ماديا؟
8- بمتابعتي للمقالات التي نشرت من اصدارك النقدي الأخير " سادنات القمر، سرانية النص
الأنثوي " لا أجد أن "المثلية الجنسية" عند الشاعرات اللواتي ورد ذكرهن، يمكن اعتبارها
بمثابة رد على نسق الثقافة الذكورية، كما يشير عنوان المقال، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف
نصنف إبداع الرجال المثليين وما أكثرهم؟
واذا كان قد تشكل حاليا " نسق من الكاتبات " اودري لورد وادريان ريتش..." فأن هناك نسق
آخر من "مايا آنجلو الامريكية السوداء، ومن مارغريت اتوود، الكندية البيضاء، ومن " أنا
اخماتوفا وميسترال وشيمبورسكا وجميعهن - المثليات واللامثليات - لم يقتصرن على كتابات
ايروسية، بل شكلن جبهة "حقوقية" انسانية عريضة ابداعيا، وسياسيا واجتماعيا.
9- ورد في مقالك الآخر من الكتاب ذاته، جمع بين مصطلحات لغة حداثة غربية وتراث يقارب
الجاهلية
المتمثل بالعنوان التالي " بيوطيقيا قبيلة الانثى " كيف تفسر ذلك؟
بينما نجد أن طبيعة الحياة المعاصرة تعزز الفرادنية جدا والعزلة والتقوقع
استوقفني هذا التناقض او فلنقل التضاد كما استوقفتني الفارق بين ما توحيه جملة "سادنات
القمر" واللغة التي تواجه القارئ في رحلته بين سطور الكتاب؟
وعموما العصر صناعي استهلاكي بامتياز وأعتقد اننا لا نحظى برؤية القمر والنجوم، إلا
ظهراً!
10- أن تهدي الشاعرة فوزية السندي- مثلا- قصيدة لها إلى فرجينيا وولف
وان تهدي جاكلين سلام مجموعتها الشعرية إلىمخترع المحبرةوتعتقد انه كان يحبنها!، كناقد،
كيف تقرأ وتؤل ذلك؟
محبتي والتقدير، وإن لم تطردني سيكون لي عودة إلى الصعلكة والسؤال.
أجابات على المحور الأول:
محمد العباس:
مرحبا جاكلين
أظنه شكسبير الذي قال بأن المتأمل جبان
وعقيدة الساموراي تحتم الإقلال من التفكير لاكتساب المزيد من الشجاعة
هكذا أحسستك مقدامة كما تنهمرين مبعثرة
كأنك كتبت كل هذه الفوضى ياجاكلين بين الوجبات حتى كلماتك لها نكهة
لو قرأت هذه العبارة بقلم جاكلين "انني أكتب اليكم من حضن امرأة رائعة " سأضحك وأقول
بمنتهى التفكه انك تكتبين من حضن أمك، فهي إمرأة أيضا
نيتشة لوّح لها بالسوط فقط. في حياته نساء رائعات. أتعرفين يا جاكلين أن النساء هن سبب
الأزمات والتردي الاقتصادي، فالرجل لا يذهب لامرأته إلا بباقة ورد.. قنينة عطر.. فستان.
هي لا تستحق الكرباج بالتأكيد، وسأمرر لك همسة أو رؤية تحليلية بالمعنى النقدي. أتدرين
أن المرأة هي سبب الشعر وسره!؟ فالقراءة التاريخية تقول بأن المرأة كانت تعاند الرجل
وترفض خشونته وبدائيته في التقرب منها حتى ابتكر ( الرجل/الذكر ) اللغة والشعر تحديدا
لملاطفتها والتودد اليها، حتى القراءة الذكورية تقول بأن آدم كان شاعرا..
قد تكون الكتابة سرا من أسرار تأجيل موتنا، الحياة جميلة بقدر ما نقرر أن تكون كذلك.
ألم يقل ناظم حكمت " الحياة جميلة يا صاحبي " رغم أنه قضى جل عمره في السجن والمنافي!؟
وألم يعرب كونديرا ويكتب ويعيش أيضا " الحياة في مكان آخر " . ألم تحب آشا باديلي السجين
المحكوم عليه بالمؤبد وتكتب روايتها " الشاعرة " بمنتهى الحب والاقبالة على الحياة!؟ أكل
هؤلاء يكذبون!؟
ليس لدي احصاء دقيق بعدد المنتحرين والمنتحرات وقد أوردت في " سادنات القمر " طابورا من
الجنسين . عربيا يمكن ذكر الشاعرة أروى صالح مثلا صاحبة " المبتسرون " و " سرطان الروح"
قد يكون موقف آنا أخماتوفا كذلك وسألخص موقفها فيما قالته في " قداس جنائزي" "
هنا امرأة وحيدة
زوجها في القبر
وابنها في السجن
فلتصلوا إذا من أجلي
ولكن سأرتل عليك أسماء بعض المنتحرين من الشعراء أمثال راندل جارل، وجون باريمان، وهارت
كرين، آدم غوردون، وفلاديمير ماياكوفسكي، وخليل حاوي، وفخر أبو السعود، وآدم حاتم،
وسيرغي اسينين،
مقابل أسماء المنتحرات من الشاعرات مثل آنا سكستون، سيلفيا بلاث، مارينا تسفيتيفا،
وانغريد يونكر، والفونسينا ستورني، وساره تيسدايل، ودورثي باركر
يمكنك المقارنة يا جاكلين...
كقارئ ، ربما يكون انطباعي هو أن جاكلين كائن يومي يشبه الحياة ويشتق حراكه منها وهي
تريد أن تنكتب كما تحدث الآن
وهذا ما يفرق بين كائن مبرقع وآخر يتنزه في ضجيج الحياة المنفتحة
أوافقك الرأي وفي الكتاب فصل بهذا المعنى والمضمون بل والعنوان "نسيان الأنا في المنفى
الحقوقي
أتناول فيه كل ما ذكرت من القضايا ابتداء من أول كاتبة وشاعرة أفرو-أمريكية فيليس ويتلي
( 1752 – 1784 م ) مرورا بالشاعرة النيكارغوانية روساريو موريو التي لازمت زوجها دانييل
أورتيغا، وكذلك وندي روز التي كتبت " تاريخ قبلي " دفاعا عن سكان أمريكا الأصليين. في
الكتاب أمثلة كثيرة ، حتى أنا كانت مفاجئة بالنسبة لي.
ما تسمينه التناقض أو التضاد هو سمة من سمات المزج بين العوالم، خصوصية أو فرادة الأسلبة
كما يسمي رولان بارت تلك الكتابة العابرة للتخوم دون إخلال بالمفهوم أو القيمة.
اهداء فوزية السندي نصها لفرجيينيا وولف ودون تأويل مفرط، كما يحذر منه امبرتو اكو، هو
نوع من المديونية، أنثى أو امرأة تكرس نسوية الخطاب، هذا إذا قرأنا النص أو العنوان
والاهداء من داخله، أما من خارجه ففوزية كما قرأتها حقوقية ونسوية بدرجة مضاعفة. من هنا
تتفيأ ظلال فرجينيا وولف.
أما عندما تكتب جاكلين إلى مخترع المحبرة فكأنها تحاول النكاية بخير الدين نعمان الألوسي
الذي كتب مخطوطه الأشهر " الإصابة في منع النساء من الكتابة ". أحس يشيء من الانتشاء
عندما أقرا مثل هذا. ولو أفرطت قليلا فسأحيلك إلى ما تقوله النسوية ساندرا جلبرت حول
الحبر والقلم، أو هنري ميللر في تطرفه التأويلي لمعنى الحبر
الحداثة يا جاكلين طردت الكائن من النص ومن الفن عموما. وبشكل قسري ومتوحش طردت المرأة
تحديدا. بلا رحمة. لأول مرة سأتنازل عن حداثتي، ولن أطردك لتعودي
بانتظارك
تحياتي
المحور الثاني من الحوار:
صباح الخير
الأستاذ محمد العباس
شكرا لرحابة صدرك وهنا ايضا ابعثر بعضا من هواجسي وانشغالاتي
11- كتابك النقدي " سادنات القمر ، سرانية النص الأنثوي " هل نعتبره بحثك الأول في
موضوعة " لكتابة النسوية " أو " النص الأنثوي "؟
12- مالذي حملك إلى تلك الوجهة، ودفعك لنبش الحبر المعتق منذ جدتنا " انخيدوانا " الى
سافو- تلميذة افلاطون وإلى المثليات الافرو-امريكيات ...؟
13- بمتابعتي لحوارات وشهادات الزميلات الكاتبات والشاعرات، وجدت أن أغلبهن " يجفلن "
ويستنكرن تماما القبول بتصنيف او مقاربة ابداعهن تحت خانة كتابة نسوية او انثوية ..ويكون
الجواب جاهزا دوما "الابداع انساني ولا يقبل هكذا تصنيفات " هل مرد ذلك، الخوف من الرجوع
الى الحرملك- بكل ابعاده النفسية والجسدية والذهنية - أم انه لا يوجد مبرر لتعميم هذا "
المصطلح " ام ان ذلك عائد لالتباس المصطلح بحد ذاته؟!
14- النسوية كمصطلح، كيف تقشرها للقارئ(ة) ؟
إجابات محمد العباس على المحور الثاني
... جاكلين
المرأة التي تصر على مكاتبة رجل يكاتبها من حضن امرأة هي امرأة شجاعة وعلى درجة من
البسالة الأنثوية
لنقل أنك امرأة مضاعفة. يسعد صباحك
تقول سيمون دوبوفوار ، لا تولد المرأة امرأة لكن المجتمع يجعلها كذلك
أنجح المجتمع في تطويبك بهذا التاج يا جاكلين؟
صديقي العجوز فرويد أيضا له وجهة نظر
إذ لا يرى أن شيئا من الزوائد اللحمية يمكن أن تجعل من الرجل رجلا!
الأنوثة روح ... والذكورة ليست غريزة صرفة..
وكلاهما، أي الرجل والمرأة، يمكن أن يرتقيا بشيء من التجرد، وليس التخفف من مكوناتهما
المادية والروحية، إلى رتبة الكائن
هذا ما أفهمه، وتأكدت منه خلال رحلتي للتعرف على " سادنات القمر " ومصافحتهن عبر مزاجات
التاريخ والعصور ومن خلال جغرافيا الأماكن والشعور
سادنات القمر هو بحثي الأول في هذا المجال، حرضتني عليه إمرأة اثر ارتطامي بها، رغم
يقيني بأن المرأة التي نحب ليست تلك التي نصادفها، انما هي المدّخرة التي توقظ فينا كل
حواسنا، ولو على مستوى المتخيل.
المرأة تثير الفضول لدى الرجل ليعرف طريقة تفكيرها ومكمن احساسها، وهذا ما أصابني، ولا
زال يشعلني، فهذه المخلوقات العجيبة لا يعرف سرها إلا مخترعها
مثلا، قد لا تطيق المرأة انتظار من تظنه حبيبها ليوم
ولكنها إذا ما قررت انتظار حبيب فقد تسند خدها على راحتيها العمر كله
يحدث هذا في الحياة وليس في الأفلام
أردت أن أفهم هذا الكائن العصي على التدجين لدرجة الإنقلاب على امتياز التأنيث، ولو بشكل
مجازي
أردت أن أفهم المرأة، ولكن ليس لدرجة التخفف من حبها، وتيقنت بأن الشاعرة هي المدخل
الأمثل لذلك الوعي بالآخر الأنثوي، فكل امرأة بتصوري هي شاعرة
وعليه تأملت هذه السلالة منذ انهيدوانا ( انخيدوانا ) حتى آخر أنثى تنثر خواطرها في أزقة
نيويورك، إنطلاقا من
النص واعتمادا على تفكيك الخطاب كما يقترحه ميشيل فوكو وتحليل العبارة الأنثوية بما هي
لغة متوارثة ضمن ما يسميه هارولد بلوم " رومانس العائلة"
تعلمت من هذا البحث الكثير وأحسست بأني أمام معلم انساني وتاريخي وعاطفي هائل،
حتى الحداثة وما بعدها عرفت الجانب الحيوي منهما لحظة التماس بهذا الكائن ومقاربة وجوده
الأنطوقي
باختصار المرأة قارة .. ونصها، الشعري تحديدا، هو الممر اليها.
ولا أدري يا جاكلين لماذا تتلبس المرأة الأنوثة عندما تراها امتيازا، وتتخفف منها بمجرد
أن تحسها مدخلا ذكوريا لوعيها أو تفكيك مكوناتها الروحية والمادية.
ثمة فروق بين كتابة المرأة وكتابة الرجل، وأظن أن نكران مثل هذا التباين يعتبر حالة من
التفريط في القيمة
مررت على كل هذا في الكتاب مستعينا بجوليا كريستيفا والين شووالتر ورولان وجاك لاكان
وتطرقت مثلا للوسي أريجاري التي طردت من مدرسة لاكان الفرويدية للتحليل النفسي، إثر
رسالتها الفلسفية عن " مرآة المرأة الأخرى " عندما تحدت دعائم الفكر الفلسفي الغربي
المؤسس في أصولياته على تهميش المرأة، واتهمته بالعجز والغطرسة الأبوية منذ أفلاطون إلى
فرويد، بسبب إنشغاله النرجسي بالرجل ورؤيته الظالمة للمرأة كصورة معكوسة في مرآته
العقلية
هكذا اقتربت من " النسوقراطية " بما فيها من اعتراك مع وضد المرأة، ولاحظت كيف تعمل
النساء ضد النساء بل ضد النسوية بشراسة أعتى مما يتقنه الرجل
ومن هذا المنطلق قاربت النسوية كمصطلح ومعنى وواقع أي في المكمن الذي تكتب فيه المرأة
ذاتها، ومن الزاوية التي ينظر الرجل منها إلى منتجها الابداعي، بكل ما في ذلك من حيف
وارتباك وخفاء وتجل
المحور الثالث من الحوار:
عزيزي الاستاذ محمد العباس
أعود ثالثة بعد اذنك
بوردة وفضول ومبعثرات لا تريد ان تنزوي جانبا
15- من حيث متابعتك وموقعك ككاتب وناقد سعودي، إلى أي مدى تحضر الأسماء المستعارة في
الصحافة السعودية ؟ ولماذا ؟
ماحصة النساء الكاتبات من ذلك؟ 16-
17- هل سيأتي يوم ونحمل اسمائنا ووجوهنا على علاتها الى كل مكان؟
18- ماذا تقول عن محاولة بعض الجهات تكريس تصنيفات جديدة في الأدب كمثل " نقد إسلامي " و
" قصائد إسلامية" ؟ وهل يصح أن يكون نقيض ذلك: نقد لاهوتي وقصائد مسيحية مثلا؟!!
أهو بعض "عصاب" أفرزته الظاهرة المعولمة "اللادنية - البوشية " في عقلية انسان هذا العصر
البائس؟
19- وأما الانترنيت! هذه المساحة الباذخة التعقيد، ماذا أضافت إلى تجربتك في الكتابة؟
وأعتذر ...ان تثاقلت.. واتلاك لك كمشة من ياسمين دمشقية.
إجابات محمد العباس على المحور الثالث
عزيزتي جاكلين
صباح الياسمين الدمشقي
أحب هذا الذي يحدث كمعادل لصلة الرحم. اعني صلة النت
بمجرد فراغي من مداخلاتك الودودة
سأتجه لمقهى ( سينزيو ) فخر كندا
لأظل على صلة بجاكلين الكائن المقيم في قرية الكترونية تنبأها الكندي أيضا مارشال
ماكلوهان
هكذا أبدأ تداخلي معك بالمقلوب
أو مما ترسب في قاع السؤال
النت يا جاكلين تقلل من حسرتي الوجودية
وتهبني ذلك الاحساس الإلكتروني بالتعولم
لن أقلل من سطوة الواقع
ولا من تضاؤل المحسوسات انتصارا للإفتراضي من العلاقات. ولكن ...
يحدث في الحياة ... يحدث في النت
النت هي الشارع .. وهي أروقة الأكاديميات
وهي المقهى إن شئنا
وهي المتنزه ...و الصالون ... الغاليري
وهي التاريخ كما نندس فيه بوعي وانتقائية أحيانا
وفق آلية محو وكتابة، كما تفترض النظريات ما بعد الحداثية
لا أتعاطى النت كمكان للتلهي
بل كمحل عاطفي أناسي للتماس مع ( الآخر ) بكل أطيافه العرقية والسياسية والاجتماعية
أي كمتكأ للمثاقفة والحضور
أوليست الحداثة يا جاكلين
هي انوجاد الكائن على خط الزمن!!؟؟
لذلك أنا هنا، أي في هذا الرحم الكبير الذي يسمونه النت
النت بكل ما فيه من ألياف السايبر تساوي خط الزمن
بالنسبة لي النت فصل دراسي لا يعرف المعلم فيه عدد تلاميذ فصله
ولكنه يحس ويفرح بمن يتفاعل معه
هنا يتشكل ( قارئ ضمني ) جديد بالمعنى النقدي يا جاكلين
استفدت منه في تعديل منسوب خطابي
في شخصنته
وفي ترقيقه أو تخفيف جرعته الأبستمولوجية
وفي التأكيد على تعددية زوايا الرؤية في الكتابة
وفي التقليل من العبارات الوصفية لصالح الصياغات التعبيرية
وفي التخلص من أدب النفي والإستلاب
في الكتابة بروح ديمقراطية تحقق جماهيرية الثقافة
وتبشر بعصر الجماهير
في التكاتب بأريحية وتباسط ووعي معك يا جاكلين
بالنسبة للأسماء المستعارة في المشهد الثقافي المحلي،
أظن أن الأوان قد آن لتفتيت هذه الصورة النمطية عن مجتمع مغلق
فنحن في زمن الأنوات المفتوحة، ونهاية زمن الكليات المنغلقة
لم تعد آلية التخفي هذه مقبولة، وتكاد تنعدم ، إلا من بعض الذهنيات التي يقف وراءها
للأسف رؤساء تحرير ينتمون إلى ما قبل التاريخ والاحساس، من حيث رهانهم على قارئ يسيل
لعابه أمام أي اسم نسائي
نحن في عصر التجلي والوضوح، والأسماء تتوضح على خلفية وايقاع حداثة اجتماعية تستلزم هذا
التصارح
في مشهدما اليوم كاتبات وصحفيات وشاعرات وفنانات يحملن ابداعهن وأسمائهن وتوقيعاتهم دون
ارتياب ولا احتراز
بديعة كشغري مثلا، جارتكم في كندا، شاعرة حملت اسمها ودواوينها ( إذا أزهر الرمل ) و (
شيء من طقوسي ) وجاورتكم هناك ، ربما صادفت اسمها فهي ناشطة
أعتقد يا جاكلين أننا على عتبة ما يسميه، حاتم الصكر ( انفجار الصمت ) أي الحضور النسوي
بكل ما في ذلك الصوت من انفهار وتغييب وارتكاس
هنا في " مدينة على هدب طفل " مثلا ، تعرفين يا جاكلين أن نسبة كبيرة من الحاضرين
والحاضرات هم نتاج ذلك المشهد بأسمائهم وأسمائهن الصريحة
المحاولة المستميتة لأسلمة الحياة، ما هي إلا ردة فعل يائسة للحضور بالخط الدفاعي
الأخير
نعم يا جاكلين، فالثقافة هي خط الدفاع للمنظومات الاجتماعية والثقافية المهزومة
وهذا هو ديدن الجماعات والفئات والمنظومات التي تفاجأ بوجودها خارج التاريخ
من العبث الحديث عن نقد اسلامي، وأدب اسلامي ، ورواية اسلامية مقابل ثقافة يهودية أو
مسيحية
فالثقافة أصلا لا تكون ثقافة حقيقية إلا بما تحققه على الصعيد الانساني
وبقد ما تتخفف ما الفئوي والطائفي
أيمكن الحديث مثلا عن رواية اسلامية، من الناحية الفنية أو الموضوعية، خارج النسق التي
تولدة ونشأت فيه الرواية كجنس ابداعي
غوته.. تولستوي .. لامارتين .. وغيرهم
فتنوا بمحمد ( ص ) وبالقرآن ولم يخرجوا من دياناتهم
هؤلاء نجحوا لأنهم من ذوي النزعة الانسانية
كل محاولة لأسلمة الحياة والعلوم هي نفخ في الهواء
وإلا ما معنى علم الاجتماع الاسلامي، وعلم النفس الاسلامي ،
الأمر محزن يا جاكلين بهذا الصدد
حتى البرمجة اللغوية العصبية هنالك محاولات لأسلمتها
وعلم وطقوس ( الريكي ) هنالك محاولات مضحكة لأسلمتها أيضا
نظريات الذكاء العاطفي ، أيضا
هذه الآلية الارتكاسية لا تعمل في المشهد العربي الاسلامي وحسب ، بل حتى في الغرب ، وفي
شقه الأصولي تحديدا
فهنالك من أراد تمسيح الأدب وكثلكته
الحس الديني مثلا هو التفسير الذي اعتمده النجم التلفزيوني ذو الحس الخلاصي والحماسي
المعروف جيري فولويل أحداث أمريكا
معتبرا أن وراء ذلك مجموعات من الحركات المدنية والحركات النسوية والمؤيدون للاجهاض
والشاذون جنسيا لأن افعال هذه الجماعات جعلت الله يغضب ويوجه غضبه على أمريكا
أسوأ ما في الأمر يا جاكلين أن مشروع الحداثة العربية فشل في هذه البؤرة تحديدا
أي في مواجهة الموروث الثقافي عبر الديني
ولذلك أعاد صياغة مشروعه الخائب عبر اللاهوت
والأسوأ أن هنالك من لا يريد أن يرى الثقافة إلا من ذلك المنظور
هكذا يزحف الديني على الثقافي بذرائع الأصالة والثوابت والمقدس
فيما تستتاب الأسماء الفاعلة أو تستدمج في خديعة اسمها الأدب الإسلامي
سأعتبر مداخلتك هذه يا جاكلين صرخة تحذيرية قبل الوقوع في هاوية مؤكدة
أو هي تململات الأنا من وهم الأخدوعات الرومانسية
فمثل هذا التجادل يقوض وهم التصورات الطوباوية،
ذلك الاحتراز هو ما يعيدنا إلى براءة الصيرورة ، كما يقترحها نيتشه.
تحياتي
الختام- تعقيب جاكلين سلام:
العزيز محمد العباس: كان لا شك جهدا ووقتا ثمينا
أعرف ان الوقوف هنا ليس عابرا، بل حدثا ...يمتع ويرهق ويكشف
كنت اضافة جميلة واساسية لهذه المدينة .. اشكرك
وقبل ان تغادر ونقفل الستارة تماما أقول:
في المرة القادمة، ماذا لو تخففت ما استطعت من المصطلحات والأسماء والعناوين
ليس لأننا كسالى ... بل انا شخصيا لا أحب أن أخذ العشيرة معي في كل مناسبة
وتخفف من تبعات(( حضنها ))أيضا .. كي يصبح التحليق والرقص / ريشة أو روح نسر
أما "البسالة الأنثوية" التي أشرتَ إليها في سياق الحديث، فتكون حقيقية،
حين نكف (نحن- انا ) النساء عن مناجاة القمر والابتهال له
حين نكسر هذه النوافذ / الحواجز بيننا وبين الشارع ونرى العالم ونحن في القعر
وحين نعطي صورتنا للقارئ وليس ظهرنا- القفا
ويلزمنا لذلك بسالة وقوة روح "وارادة القو " كي نصبح أجمل، إبداعاً ورسالة وتفهماً لهذا
العالم.
محبتي وتقديري وجزيل الشكر
19/6/2004
جاكلين سلام/تورنتو
----
محمد العباس: ناقد وكاتب سعودي
صدر له :
قصيدتنا النثرية ( قراءات لوعي اللحظة الشعرية ) دار الكنوز الأدبية 1-
2- حداثة مؤجلة - سلسلة كتاب الرياض
3- ضد الذاكرة ( شعرية قصيدة النثر ) المركز الثقافي العربي
4- سادنات القمر ( سرّانية النص الشعري الأنثوي ) مؤسسة الانتشار العربي
متورط بوعي وبدون قصد في قضايا الثقافة العربية بمشاركات وكتابات في الأدب والتشكيل
والفكر.
* استمر الحوار المفتوح منذ منتصف حزيران 2004 الى منتصف تموز، شارك فيه الكثير من
الكتاب والقراء.
( حوار في صفحة منتدى مدينة على هدب طفل
جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا.
تعليقات