حول عناوين الكتب والرقابة والتسويق
حول عناوين الكتب والرقابة والتسويق
عبر ما أتاحته المنتديات الثقافية على الشبكة من إمكانية إجراء حوارات وتحقيقات تفاعلية تظهر بشكلها الآني العفوي، كنت قد طرحت تساؤلا حول إشكالية العناوين الأدبية والرقابة. وهنا نقرأ وجهات نظر شعراء وشاعرات من عدة بلاد عربية، اجتمعوا في المقهى الأدبي/الإفتراضي، وقد أوردوا من خلال وجهات نظرهم مقتبسات من آراء رولان بارت، محمد شكري، ميلان كونديرا لإسناد أرائهم
قرأتُ سابقاً أن الشاعرالسوري محمد الماغوط، اضطر إلى تغيير عنوان مجموعته إلى "سيّاف الزهور " رغم أن اختياره الأول كان هذا "شرق عدن، غرب الله " أي العنوان الحالي للإصدار الجديد. لاشك أن مزاج الرقيب والطارئ السياسي الذي تلعبه القوى المتصارعة والمتحكمة يلعب دوراً في تحديد قيم للأدب والفكر وبما يتناسب ومزاج الساعة، وإلا لما رأينا عشرات الكتب التي تسحب من الأسواق أو تحرق أو تمنع من الدخول إلى بعض الدول، ووبعد أن يكون قد طبعت أحياناً لأكثر من مرة، وأصبح لها رصيد في ذهن القارئ ومكان على رفوف مكتبته الشخصية، ولتكن "وليمة لأعشاب البحر" مثالا آخر.
وهنا أعيد التساؤل: أي بلاد هذه التي تفضّل عنف الجملة "سياف الزهور" على العنوان الآخر" شرق عدن، غرب الله" لمجرد أن بوصلة الشاعر سمحت لنفسها بتحديد موقع جغرافي لله الذي "يوجد في كل مكان". الله الذي أعطانا حرية أن نضعه في البطين الأيمن أو الأيسر ونرحل صوب الغرب أو الجنوب، أو نطرده من القلب ونبكي ونكتب يتمنا بدونه ومشقات روحنا في غيابه!
قاس هذا العنوان الذي لا يخلو من العنف، وأخال خيط دم يسيل لا مرئياً على أعناق الزهور ويخضب سيفاً أحمق يقص الفكرة والمخيلة ويُـرفع رمزاً له حمولة ثقافية وتاريخية في شرق العالم.
وماالذي تغير تحديداً، الرقيب أم مزاج صاحب دار النشر بحيث طبع كتاب آخر للشاعر الماغوط، بهذا العنوان؟ وهو الذي سبق واستفز بسخريته اللاذعة ذهن القارئ بكتابه "سأخون وطني"
العناوين بشكل عام، ماذا تحمل من مفاتيح ودلالات المادة الإبداعية؟
أحمد اللهيب: شاعر سعودي
تساؤل يستحق التوقف أمامه طويلاً، وبخاصة في النصوص الأدبية وأثر العنوان الشعري المتجدد وما يقدمه من تصور قد يغالب فيه النص. ويسعدني أن أضع بين يديك هذه المشاركة:
تهتم الدراسات الحديثة في مجال تحديد النص بالعنوان؛ " فعن طريق العنوان تتجلى جوانب أساسية، أو مجموعة هامة من دلالات النص الأدبي، وإشاراته الرمزية ... مما يجعل العنوان عنصراً موسوماً ومكثفاً ". وأهمية العنوان في النصوص الأدبية تبرز بكونه سمة من سمات المنتوج، وعلامة تطبعه وتميزه، بالإضافة إلى كون العنوان مدخلا للنص وبداية له، فهو ينبئ عن النص ويشير إليه، وقد يكون ملخصا له وتكثيفا لمضمونه. ولا شك أنّ اختيار العنوان قد يكون عقبة أمام الأديب، ولعلي أذكر ما قاله محمد شكري في صعوبة اختيار عناوين أعماله الإبداعية، حيث قال : " الصعب عندي قد يكون في اختيار عنوان مناسب حين انتهائي من نص، إن العنوان ينبغي أن يكون مثل عرف الطاووس أو ذيله". والعنوان كما يراه رولان بارت، يجب أن يثير في القارئ الرغبة في القراءة. غير أن حصر وظيفة العنوان في هذا لا يكفي، إذ نجد أن جيرار جينيت قد حدد أربع وظائف للعنوان هي: الإغراء– الإيحاء– الوصف– التعيين. ولا شك أن التطور النقدي قد تجاوز هذه الحدود إلى آفاقٍ أوسع.
غير أنّ التساؤل الذي يطرح نفسه أمامنا، وبخاصة فيما يتعلق بعنوان الأعمال الأدبية، وبخاصة الشعر هو: ما الفائدة حين يكون العنوان حداثياً أو أكثر حداثة، وما في الديوان غير ذلك؟
العنوان بارقة أولى نحو الديوان، لكنَّ تصوّرَ صدمة القارئ حين لا يستشعر نغمة الديوان تتموسق في جنباته، حينها تشعر بعبثية هذا الشيء. ولو اطلعنا على دواوين الشعراء الكبار في العالم المترجمة، نجد أن عناوين دواوينهم جداً عادية، ونخذ مثلاً الشاعر الإيرلندي ( شيموس هيني )، وهو حاصل على جائزة نوبل للآداب 1995م نجد لديه ديواناً بعنوان( موت عالم الطبيعة )، وديوان آخر (معاناة الشتاء)، لا أتصور أنّ مثل هذين العنوانين يجذبان القارئ، ما لم تكتب عبارة ( جائزة نوبل 1995م )! على غلاف الديوان.
***
أشرف فياض: شاعر وفنان تشكيلي فلسطيني/مقيم في السعودية
أن من أكثر الأمور تعقيداً تحديد عنوان لنص فما بالك بمجموعة ؟؟
والمؤسف أكثر أن يقوم أحد أو جهة ما بفرض وصايته على الشاعر أو المؤلف ويجبره على تغيير العنوان من أجل أغراض أخرى تحت ذريعة الرقابة .. أرى أنه يجب على الجميع اتخاذ موقف واحد تجاه هذا الشيء .. ويجب ان لا تكون هناك اتنازلات ولكن إلى أي مدى مكن أن يصمد هذا الخيار؟
***
نبيلة الزبير: شاعرة وروائية يمنية
كان يكتب "الخلود" وهو يعي أنه يكتب الخلود..ويحاصره ك"تيمة" ومع ذلك وفي السياق نفسه كتب لصديقه ـ أحد شخوص الرواية أنه يكتب "خفة الكائن التي لا تحتمل" ويستدرك أنه كتاب سابق لكن كان على عنوانه "الخفة" أن تكون هنا.. أن تحل بديلا للخلود..
العمل ـ أشدد ـ الذي يكتبه ويحاصر ويختصر "الخلود"
كونديرا يعطي كل ذلك الاهتمام للعنوان. يجعل من العنوان أكثر من مجرد "عتبة" إنه دائرة لولا مهارته لدخنا ورفضنا هذا الاستفزاز بأن نصطدم بجملة العنوان/ أقصد بمضامين العنوان في كل منعطف.
كونديرا ليست لديه مشكلة رقيب.. (خارجي) ويعمل رقيبا داخل كتابته.. وبكل تحدٍ واقتدار. وهذه المشاركة فقط مجرد نثل لأهمية العنوان التي لم أدركها بعد. وبودي لو أنفصل عن القيم الثقيلة التي يحملها اسمي "نبيلة" أريد له أن يكون مجرد اسم أحمله وأمشي معه في الشارع دون أن يشار إليه بالبنان.. فأبدو كأنني مجرد إضافة "خفيفة" عليه. الأسماء التي تلزمنا وتصيرنا لمعانيها.. وتحددنا "شخص ما" . والله، أرهقنا المعنى.
***
نادي حافظ: شاعر مصري مقيم في الكويت
هل صحيح أن الكتاب يعرف من عنوانه ؟
وهل صحيح ـ كما يقول المثل المصري ـ أن ( الجواب بيبان من عنوانه )؟
أتفق مع الشاعر احمد اللهيب على أن الكثير من العناوين خدعتنا، وأن الكثير منها أيضا ضلل العابرين.
غير أن القضية هنا قضية الرقابة، والرقابة عادة تؤمن بمقولة ( الجواب بيبان من عنوانه )، وهي عادة تخشى من الفتنة. ولكن هل يتوقف وعي الرقيب عند العناوين وفقط؟ . لا أعتقد ذلك. الرقيب ذكي جداً ويخاف على كرسيه ولا يقبل أن هناك أحد يفهم أكثر أفضل منه. وربما لديه توكيل بصيانة النصوص التي تهدد الفضائل التي يحرسها.
***
محمد خضر: شاعر سعودي
العناوين ينبغي أن تمثلنا نحن بجدارة، أي تمثل هذا الجيل بكل مافيه، أن ترسم ملامحنا هكذا دون رتوش، أن تخلقنا من جديد، وتقول بعمق أو بصراخ ماهو موقعنا على اعتاب سنين قادمة، لست مع من يهمش أهمية أن يأتي العنوان عاديا وسهلا، بل ينبغي أن يوصم بما هو أكثر حداثة، وبما هو أكثر اشراقة، وبما هو جدير بالوقوف عنده، للرقيب كما في المثال المؤسف الذي ذكرته " جاكلين " دوره أيضا، أنا نفسي لم أكن متشجعا لمسمى ديوان الماغوط سياف الزهور، وبل وقادني شيء أشبه بالاستغراب من عنوان كهذا، وليته بقي كما التسمية الاولى، لالشيء لكن لإنها موحية أكثر، سحرانية أكثر، وقادرة على قول الكثير بعد فراغنا من قراءة المجموعة، كما أنه ليس شرطا كما يعتقد البعض أن يأتي العنوان جذابا أو مغريا، فنحن لاننشر قمصانا ملونة ولاجينزات تشارلستون، ولادعاية إعلانية...
***
رنا سفكوني: شاعرة ومسرحية سورية
شدني هذا التساؤل إلى الكثير من الحوادث التي جعلت بعض الكتاب يلغون فكرة النشر بسبب تغيير عنوان أومقطع أو حتى نص كامل. وطبعا ذلك بسبب الرقابة الغبية أحيانا والتي يتحول القائمين عليها بلحظة إلى مدراء إنتاج فيدخل النص في مونتاجاتهم الغبية ويصبح: هذا المقطع محذوف وذلك معدل بكذا وكذا، وهذه الفقرة بحاجة لتغيير بسيط... يعني مسألة إجتهادات شخصية غبية من قبل الرقابة تتدخل في ذاكرة الكاتب وتعبث بها
والمؤسف بأن الكتب التي لم يتم العبث بها يتم نشرها عن طريق دور نشر خارج بلد الكاتب وهنا مشكلة أخرى في قتل الدعم الثقافي والإبداعي ضمن ثرثرة رقابية لا فائدة منها.
أتفق مع الشاعر أحمد اللهيب ومع الشاعر نادي حافظ على أن (الكثير من العناوين خدعتنا، وأن الكثير منها أيضا ضلل العابرين) بل وأضيف بأننا أحيانا نتحول لرقيب دون أن ندري ودون أن نصادر الكاتب بشكل واضح فنبني عناوين مختلفة قد أوحى لنا بها كتاب ما فمثلا عنوان "سيّاف الزهور "كان بعيدا كل البعد عم جال في مخيلتي من الأفكار التي طرحها محمد الماغوط في كتابه، فلا أدري لما توجهت في تحليلي حين قرأت العنوان إلى أنه نص مسرحي كامل الفصول.
***
في التعقيب على ما طرحه الكتاب يمكم القول : أن بعض العناوين قد تفرغ المحتوى أو تتعداه إلى ماليس فيه، أو تفيض عنه. ويحصل أحيانا أن يلجأ صاحب(ة) النص إلى التسويق والإغراء والإغواء واستفزاز المكبوت، جنسيا ودينيا وسياسياً. فيقتطع لنصه عنوانا صارخا فاقعا- وغالبا ما يكون ذا ايحاء جنسي صرف يقلص المعنى ويقص أجنحة الخيال والمتعة. يكون ذلك دوما على حساب المعنى الملتبس لمفردات ومصطلحات مانتحدث عنها كثيرا في أدبياتنا، في نشرات الأخبار، في أحلامنا، في سجوننا، في بلادنا ومنافينا، وننام في عطش شديد لتحقق " العتبة الإنسانية" التي يستحقها انسان هذا العصر. يبقى السؤال ليس إلا عطش المعرفة إلى التحقق. وتبقى الكلمات والمصطلحات والحريات مجردة من المعنى إلى أن نستطيع أن نزاوج ما بين الشعارتية والفعل، مابين تعريف الحرية والإبداع وسبل تطبيقها، وانتقالها من المجرد إلى المعيوش والواقعي.
وأقتطف هذه الشذرة لأدونيس، من كتابه" النظام والكلام/ 1993: الإبداع الفكري "اختراق" وليس طرداً. أن تخترق شيئا هو أن تعترف به وتتعرف عليه وتتخطاه. وأنت في هذه الحالة طالع منه، أن" تطرده" هو أن تجهله وأن تنفصل عنه وأنت في هذه الحالة غريب عنه وخارجه" وتكملة له.
كثيرة هي الآراء والأفكار والعناوين والأسماء التي تطرد من الميدان، لتقف على الضفة الأخرى " واجهات" يجري تصنيعها وتلميعها تبعاً لأولويات الرقيب، وسلطاته المتعددة الفروع.
التحقيق مفتوح للجميع:
القراء الأعزاء الذين يرغبون في إضافة مشاركاتهم حول الموضوع، يستطيعون الكتابة إلى جدار مباشرة، أو إرسالها إلى بريدي الإلكتروني، لإدرجها ضمن هذا الملف الذي يتم البحث فيه من زوايا فكرية وثقافية مختلفة.
تحقيق: جاكلين سلام
منشور في موقع جدار
شاعرة سورية كندية
تعليقات