قصيدة من مجموعة رقص مشتبه به
أبعد من الحتف والبحيرات
جاكلين سلام
(من مجموعة رقص مشتبه به
ضوءٌ يقطع عتمة الأجساد
لن أكتب الوصية- طياتها
سأحفظ ما تبقى عن ظهر قلبٍ
قلب الحبر يحترق. مطفأ موقد هذه السموات
في الصمت كلمات لم تصل لأبعد من حتفٍ
ما بين الموت ويقظة الأرض جمرة بلوني
لم أستيقظ كي أعدّ القهوة
الصباح الشتوي معتماً بلون القهوة يهيل رائحة معتّقة بين ملفات الذاكرة
تحدثني عن رتمِ اليقظة والاستيقاظ
أكتب وجنة النار في شطر يكشط الجليد عن حنين الغزالات
ليس الصباح ملائماً للإعتراف بالحزن. أنتم تطلبون اشتغالات مصيرية!
نحن عادة نستيقظ لأسباب وجيهة: ننظف أسناننا أو نمشط شعرنا الحر في جعلكته أثناء النوم
نستحم من الحلم أو الموت في شرفة البياض المنشغل بالبحث عن قدمين وشفة
نمسّد جبهة الفراغ بما نملك من ريش تساقط عن أجنحة الكلمات المشتبكة فينا
نهجر وجوهنا المنشغلة بأسرارها.
نقرأ قصة حب بدأناها. قصص الحب تنتهي ليكتبها العاطلون عن الحب. الحب ليس عطالة، تقول الوردة
يقول: أعطيني يدك! فتعطيه يداً وابتهالات. يذهب في إختبار العالم، ويصحُّ أن يذهبا على انفراد
تشبكٌ بعضاً من قلبها في عروة القصيدة
كل الصباحات ملائمة لتنظر في أصابعها بلامبالاة
حين أستيقظ أفكر بالله، أفكر بالسنجاب، أفكر بغيابك
أنصت لوقع الفجر فأنسى الله، أنسى السنجاب، أنسى غيابك
المسيح لم يكفّ عن الميلاد والمجيء وأنت َ لم تأتِ مرة على ظهر أتان أو في الحلم
لن أسألكَ ممَ تخاف حين تحذف قلبك من أول الفجر إلى آخر الملكوت!
2
قلوبٌ تنشغل بسيرة الملح، مزامير نور مرتجى
الدرب منعرج بين مريمتين، عذراء ومجدلية
صديقتي الروسية تقول: لا نحتفل بالميلاد، لم يكن التاريخ صالحاً..
آنّا أخماتوفا تحفّ اعتلال الزرقة بالجمر: “في البيت ليست الأمور على مايرام/ يشعلون النار/ ولكن الظلمة لا تختفي”. الصديقة الهندية، تزفّ صلاتها في رقصة النار،
تقول: لم تخبرنا الآلهة عن أسرار التقاويم- قبل المسيح/ بعد المسيح- تأخر المعنى!
تأخر السنجاب، وهذا الثلج لا يتساقط شاقولياً كتفاحة نيوتن!
السنجاب لا يحمل رسالة، ومنشغل بقضم الأشياء المستديرة
السنجاب لم يكن في الأساطير
كأنه لا يأبه لوجوده مغمساً بحبري، معلقاً على شريحة إلكترونية
المسيح الذي ينبعثُ- قال “عينُكَ مصباحُ الجسد” *
المغارة تفتقد الطفولة، المهد واجمُ – ويتراقص شريط الأضواء الإصطناعية
لاتهزي أغصان الذاكرة، لا توقظي سريرَ الطفل
قالت عشتار في ورقة توت
كل الأوراق تسقط
أشلح طيات الليل والغبار عن جلد المدينة
يا إلهي كم يشحّ الأوكسجين في كلمة الهواء!
بين الورقة والكلمة أزفّ رسالة الندى إلى العشب
3
أيقظتكِ الدهشة حين “جاك فروست”** رسم في صقيع الليل حلمك المنكمش بلا نافذة!
سُرّة الاغتراب تحزم خطواتكِ في دواوين الرحيل
تشاغبين في شهوة وعلى حافة الحياة ينكسر مجداف العشق
لا حقيقة في هذا المعبر البارد
وجهكِ بيتٌ- كلمات أبعد من الحتف والبحيرات التي يحرسها برج تورنتو
المسيح سار على الماء، لم يبق من خطواته إلا حبر في الأناجيل.
تتفتح الكلمات في غبش أصابع تحزّ ظلال إله تعثّر في أرض الريح والثلج
لا وقت للانتحار. وإن كان لا بد، فليكن أقل وطأة من دمعة القصيدة
السنجاب يرتجف، سأنجز فصلاً آخر عن الغابة
عن موسيقى الماء التي انكسرت، وعمّا خطّه الألم
تعويذة أكتبُ - جمرات تنوس في حضن الموقد
أنثر الرماد في محيط الأزلية
للجمر سيرته وللعشاء الأخير سيرة
الشتاء ليس أوان الموت
ابتسمْ أنتَ في الشتاء
أنتَ في قلبي
4
أقحوانة وحيدة، اختنقت في السهل فصارت لي
فراشة وحيدة، ماتت في الثلج فصارت لي
لم يمنحني القدر مفتاح بيت الحكمة لأدرك اللامتناهيات
أرصّع أيقونة إيماني بالملح المتبقي من الكلام
بشغف يصون عظام المستقبل
نداءات قصية
إيقاعات تؤرجح صوتي في مهد العاصفة.
ديسمبر 2004 / تورنتو
جاكلين سلام: شاعرة سورية – كندية
_______________
هوامش:
عينك مصباح الجسد*: انجيل لوقا
جاك فروست**: حكايات التراث وقصص الأطفال في القطب الشمالي، تشير إلي أنه الرجل الذي يأتي في أيام الصقيع ويرسم على النوافذ أشكالا هندسية أنيقة ودقيقة، ويترك أثاره على أوراق الخريف.
- أبعد من الحتف والبحيرات: قصيدة من مجموعة جديدة للشاعرة قيد الطبع بعنوان” رقصٌ مشتبهٌ به”
ترجمت القصيدة إلى اللغة الفرنسية، ونشرت في مجلة ” أوغاريت” سورية – فرنسية، ربيع 2005
تعليقات