http://www.syrian-women.org/index.php/society1/10748-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%A7%D9%83%D9%84%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
خطوات الشاعرة بين خريف وكريستال وإلى "رقص مشتبه به"
الأشجار التي تهتز وتطرح دولارات، لم نعثر عليها!
*- دعينا نبدأ من اللحظة الأولي التي بدأ القلم يكتب بها فما هي العوامل التي فجرت النبع الشعري لديك؟
**- عادة لا أجدني سعيدة حين أحصي خطواتي، وأثارها على الثلج أو الرمل، لذلك أكتفي بتقديم الشكر للنبع وكل المجاهيل والمعارف التي بلورت صوتي وكلماتي حتى اللحظة. كتبتُ لأفهم عالمي، لأبحث عن أجوبة لأسئلة قديمة طفولية وغامضة. منذ أن ذهبت"سولين" ابنة صفنا في الإبتدائية إلى السماء وعلى أجنحة الملائكة البيضاء، وتركت مقعدها شاغراً إلى جواري، تشكل جنين الأسئلة والدهشة. كان هناك صمت المراقبة، وعقد صداقات حميمة مع القراءة والمكتبات، بعدها كان لا بد من تحرير إيقاعات مكتوبة تخصني وتصب في بحر الحياة. شغف الشعر ماء، وفي روحي عطش دائم للمعرفة وأعشق هذا الطريق من المحبرة إلى الورقة وإليكم. وهذه عوامل – قد- تضمن اخضراري لفصول الرحلة القادمة.
*- لديك عشقك مع كندا حيث خصصت لها نص في إحدي دواوينك والتي كانت بعنوان "في المقهى الكندي" فما سر الحب بينك وبين كندا ولماذا هاجرت من موطنك الأصلي سوريا إليها؟
**- علاقتي بالمكان تتحول مع الزمن. الأسئلة التي تواجهها نفسي تتغير إحداثياتها بين سنة وأخرى. بين كندا الموطن الجديد وفي البيت السوري الأصيل أعاقر الحياة والذاكرة، وهذا جنون عذب وتمرين تتيحه لي القصيدة و كندا بلد من موزاييك. الموزاييك فن ويحتاج إلى مهارة تعشيق الاجزاء والألوان والاختلافات، وكندا تجتهد في صناعة هذا الإيقاع البشري الاجتماعي والسياسي وتترك لنا رقعة نصنعها بأنفسنا ضمن هذا الخليط. أما لماذا هاجرت بعيداً عن الياسمين والشمس والعريشة وشجرة الرمان؟ ربما لأن أبي كان يقول" على المرأة الصالحة أن تتبع زوجها حتى لوكان الطريق إلى الجحيم " وربما لأننا سمعنا أن الأشجار الكثيرة في كندا- تهتز في الليل والنهار وتطرح دولارات! وربما راودني حلم، عن المارد الحزين الذي يسكن القمقم في بلد الصقيع، فأتيت لأبحث عنه، وأقاسمه الوحشة أو الحب. أعود من هجرتي، كي أكلمكم في (الأول من نيسان= يوم الكذب العالمي) وذهني يستقبل أرشيفاً من الكذب الأبيض الذي كنا نتبادله مع أفراد الأسرة والجيران والأصدقاء، في سوريتي الحبيبة!
*- في ديوان" كريستال" قدمت إهداء إلي الروح الذي اخترع المحبرة وعيون لا تعرفك ولديك اعتقاد بأنهما في حالة حب معك فإلي أي مدى الإهداء يعطي دلالة على تجربة الشاعرة جاكلين سلام؟
**- الكتابة تستوجب اللعب والتخريب الحي، ولا تعاقبنا حين نخلق كذباً ونصدقه، من غير أن نؤذي أحداً. أن أتخيل العالم يحبني وقارئ(ة) ما يحبني، هذا أجدى من أن أفترض الأعداء والخصوم وأشكال الغيرة والأحقاد. و يساعد روحي على الامتداد في عمق الآخر. السيد المسيح قال"أحببْ جارك كنفسك"، لذلك أتصور محبتي لنفسي، تجتمع مع نبع محبة كوني، والعلاقة متعدية. نعم، مخترع المحبرة يحبني والبارحة كتب رسالة تقول: أحبكِ وسأنتحر إن لم تأتِ، لكنه لم يحدد متى وأين!
كتب كثيرة تذهب الى القارئ بدون اهداء. ليس بالضرورة التعويل على ماتقوله الشاعرة في الإهداء، ولنقطف الدلالة والتجربة من قلب القصيدة.
*- الشاعر العربي المعروف شاكر لعيبي في كتابه لمقدمة ديوانك كريستال قال " لا تُقرأ هذه المجموعة إلا ضمن اختلافها عن الشعر المُسمّى، بخفةٍ، بالنسوي، فهل هناك شعر ذكوري وشعر أنثوي وأيضا هل من صراع بينهما وإذا كان ما هو الهدف منه؟
**- الكتابة تحمل خلفية فكرية واجتماعية ولا تولد من الفراغ. الأوراق التي يكتبها الشعراء والشاعرات، تحمل في طياتها خلاصة روح هذا الكائن بعد مرورها عبر شبكة معقدة من الفلترات والسدود والعقبات والأوجاع والأوهام والأحلام. هناك شعر يفكر بأدوات وعقلية ذكورية وهناك شعر يفكر بأدوات وأساليب أنثوية. الصراع قائم بين المذاهب والمصطلحات، وقائم بين القصيدة وكاتبتها، وقائم في ميادين الحياة، قوانينها، عاداتها وتقاليدها. نعم يوجد صراع، علينا جميعا- رجالا ونساء – أن نقود دفته إلى مرفأ الحب والخير والجمال، في القصيدة وفي البيت والشارع.
*- الشاعرة جاكلين سلام من خلال الإطلاع على ما كتبت هناك شعور بأنك تبحثين عن شيء مفقود من خلال الكلمات فما الذي تفتقده جاكلين ولا تجرؤ عن البوح به إلا من خلال النصوص؟
**- كلما تعلمتُ وقرأت أجد أنني افتقد الكثير من العلوم والمعرفة، ويكون الذهاب إلى الشعر كحركة من تدخل كهفاً بلا تاريخ ومكتظ بالطلاسم والأحجيات، وتحاول في كل سطر أن تفك تعويذة، أغنية أو دمعة. وهكذا تصبح الطريق اكتشاقاً يومياً وفقداً بالمقابل. صوت القصيدة عالمٌ قائم بذاته. قد يأخذني معه وقد ينفيني وأكون الشاهدة.
اقترح استبدال كلمة "بوح" بـ : الصوت، القول، الحكي، التعبيرعن النفس. في البوح خفوت وافشاء أسرار، ولم تعد القصيدة مسكناً للهمسات والعبرات، كما لا يليق بها الخطابة والاستعراض وبذل المفاتن رخيصة وغالية. ولا الصمت الذي يصب في خانة العنف والموت. في احتفالات اذار بعيد المرأة، بكيتُ حين ألقتْ امرأة سوداء قصيدة تحكي عن " امرأة سوداء ماتت من الصمت"!. فلنمعن النظر في الوجوه المجاورة ونفتح نافذة القلب.
*- بخصوص ديوان "خريف يذرف أوراق التوت" الذي تهدينه إلى ابنك" سلام" في الفصول الأربعة، ماذا تقدم جاكلين سلام لأطفال العالم في ظل الحروب التي تطحنهم؟
**- لم أقدم شيئاً. بل أعتذر لأطفال العالم، لأن الشاعرة لا تستطيع إيقاف الحرب. هم- ديناصورات- يذهبون الى الاحتلال والحرب ولا يأخذون رأينا ولا تهمهم قصائدنا. مرة كتبت" هم يرتطمون، ونحن نتشظى".
الآلة العسكرية وأربابها يفتنهم اختراع وسائل الموت، وليس لي غير الوقوف في جوارالكلمة التي" ضد العنف" بكل صوره وأشكاله. صديقتي الشاعرة تدرك كم هو ناقص هذا العالم ويعرج من رأسه، وتؤمن أن الذي اخترع المقصلة والقنبلة الذرية والكرسي الكهربائي، لم يكن شاعراً (ة).
**- أوراق امرأة تبوح، تسبر وتعري، امرأة مرمية على قارعة العالم وتأبى الموت والتلاشي لعبة الوجوه والأقنعة" تلك صور متكاملة هل هنا نفهم رثاء لحال النساء في العالم أم صرخة في يوم ماطر وعاصف؟
**- المرأة التي وجدتْ في محبرتها شجاعة أن تسبر وتعري وتأبى الموت والتلاشي، لم تكتب معلقات رثاء ودموع وتفجع مكسور، وصراخ لحظي بل رأيتها تطرز أوراقها بصور تنغمس في الحياة اليومية بين الشرق والغرب والمستقبل. مهاجرة وضعت نفسها في صورة الجدة وفي عمر السبعين وعادت لتجدد طريقها، حبها، ضعفها وجنونها، بشغب وفوضى وحزن وسخرية من العالم ومن نفسها أيضاً. مجموعة "خريف يذرف أوراق التوت" تنتهي عند ورقة لم يكتب عليها سوى كلمة "عشتار"، إنها إرادة حياة وخصب عريق، تخطه طقوس الروح والعواصف.
*- أريد التطرق معك إلي شيء آخر ماذا عن التواجد الثقافي العربي في كندا، كيف يمضي؟
**- يتمركز النشاط الأكبر للجالية العربية في الصحافة وتحرير الجرائد الاسبوعية العامة التي تحمل كل شيء، والقسم الأكبر منها موجها نحو الحدث السياسي في الساحة العربية. هناك جمعيات ونشاطات اجتماعية وأدبية على نطاق محدود. المسافات الشاسعة بين مدينة وأخرى، تحد من سبل اللقاء والتواصل، لذلك الشاعر الذي في مونتريال، شبه منقطع عن زميله في تورنتو، والتواصل أغلبه عبر الإيميل.
*- الشاعرة جاكلين من خلال رؤيتك هل هناك أزمة نشر في الوطن العربي تدفع الشعراء والكتاب إلي هجرة المطبوعة والبحث عن النشر الإلكتروني مثلما فعلت أنت؟
**- بالنسبة لي حتى الصحف اليومية العربية المطبوعة، اقرأها عبر الشبكة، وتواصلي لم يكن ممكنا ً لولا هذه الفسحة الالكترونية العظيمة. بدأت النشر في الصحف المهجرية في تورنتو، ثم توجهت إلى النشر الالكتروني من خلال موقعي الشخصي والمواقع التي يحررها أصدقاء الشبكة الذين يسخرون أوقاتهم ومعرفتهم التقنية، للسير في ركاب العصر والاستفادة من التكنولوجيا بما تتيحه من جماليات، تحد من مقصات الرقيب. أما أزمات الوطن العربي، فليست تقتصر على أزمة نشر وناشر وقارئ ورقيب وسلطة وسلطة ثقافية وحسب، أزماتنا لا تحد، وتدفع بالمواطن والشاعر الى الموت البطيء، أو الإبداع الخلاق. هذا لا يمنعنا من الاعتراف أن هناك مجانية في الكتابة. بعضهم يكتب خربشة في المساء، ينشرها في الصباح. حبر كثير يسيل رخيصاً وبلا معنى.
أما هل يصبح الناشر الالكتروني، سلطة أخرى موازية لسطلة الناشر الورقي؟ فهذه حالة ممكنة أيضا، كأنني ألمسها في بعض المواقع التي تخلق لنفسها جوقة ومريدين مقابل أصوات غير مرغوب بها.
*- أخيرا الشاعرة جاكلين سلام سر تكشفيه لنا، ولم تبوحي به من قبل؟
**- قصيدتي تنتظركم، وستكونون في ضيافتي، عبر رحلة لا تخلو من قرصات البرد.. سنرتشف بعض أسرار جاكلين في مجموعة شعرية جديدة تصدر قريبا بعنوان "رقص مشتبه به". ستخبركم عن اشتباكات امرأة مع الكون والذات، عن العشق والسنجاب الكندي، عن تمارين الإقامة في كندا وفي الكلمة-الجوهر. شعر له إيقاعات الجسد والموت وغبار الأزمنة.
الكاتب الصحفي ناهض منصور– فلسطين
جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية – كندية تقيم في تورنتو
نيسان 2005
تعليقات