الاغتصاب والعنف ضد المرأة في زمن الحرب مقال جاكلين سلام
https://assafir.com/ViewAuthor.aspx?AuthorID=1265&ArticleID160458
الإغتصاب والعنف الجنسي ضد المرأة
أيام الحروب
جاكلين سلام-تورنتو
حين تندلع الحروب يخيم العنف على جميع أفراد
المجتمع، وتبقى المرأة العنصر الأكثر تعرضاً للخطر. فمنذ قديم الأزمنة كانت الحروب
مرفقة بالسبي وكانت النساء تساق كغنائم مملوكة للقائد المنتصر ورجاله. تغيرت بنية
المجتمعات وذهنية الأفراد في هذا العصر ولكن ما زالت المرأة حتى يومنا عرضة
للانتهاك والاغتصاب والتحرش الجنسي. لا غرابة أن تحضر ثيمات كالأرض والعّرض
المرتبط بالشرف في خانة واحدة، في القصيدة أحياناً وفي الأمثال الشعبية.
نساء في زمن الثورات المعاصرة
من الأمثلة المعاصرة التي استدعت تحركا
دولياً للوقوف ضد اغتصاب المرأة واعتبار ذلك الفعل المشين جريمة ضد الإنسانية،
اغتصابُ النساء في عدد من الدول الافريقية التي ابتليت بالحروب نذكر منها:
الصومال، أوغندا، راوندا، بالاضافة الى نساء البوسنة في يوغوسلافيا السابقة والعراق
كذلك. الاحصائيات في هذا الحقل مرعبة والنتائج مدمرة وتزداد قسوة حين يحصل الحمل
السفاح، وتواجه المرأة مصيرها الشخصي الأسود، فلا التقاليد والأعراف الاجتماعية
ترجمها ولا الأديان في بعض الأحوال. ونلحظ في بعض الحالات-الكاثوليكية- تمنع الإجهاض
حتى وان كان الحمل سفاحا، والمرأة قاصراً!
في حالات الحرب، يصبح الانتقام هدفا لبعضهم
وفرصة سانحة لارتكاب العنف. وحين يتسخ عقل الجنود أو الأفراد ويخرجون عن دورهم
الأساسي في حماية بلادهم وممتلكاتهم في إطار منظور أخلاقي إنساني، وتقع الانتهاكات
رغم التحذيرات الدولية من مغبة اقتراف هذه الجرائم أثناء الحروب وسريان الفوضى في
المجتمع. يقع هخذا في الدول العربية المتهمة، ويحدث في كل بقاع العالم. لقد حضرت
مرة حديثاً مؤلماً لسيدة من راوندا تشخص فظاعة الحدث في مؤتمر عام، تتحدث عن الاغتصاب الجماعي الذي وقعت ضحيته،
وبموجبه نقل إليها مرض الأيدز إليها وإلى أطفالها من بعد، من قبل الجنود المرضى.
انتهاك كرامة النساء من قبل
رجال السلطات الحاكمة
جرائم الاغتصاب ليست مقصورة على الجندي
القادم من الطرف المعادي، وليست موجهة ضد نساء العدو دوماً. بل هناك انتهاكات في
هذا الجانب من قبل رجالات الديكتاتوريات العسكرية التي تحكم قبضتها على شعوبها
نساء ورجالاً. لقد دفعت نساء عربيات متعلمات ومثقفات هذه الضريبة الباهظة بعد
اعتقالهن في أيام في هذا البلد وذاك، كما تعرضت كثير من النساء الايرانيات للسجن
والاغتصاب والتعذيب إثر مشاركتهن في مظاهرات مناهضة للحكم. قرأنا ذلك في سيرتهن
الذاتية. قليلة هي الحالات التي يتم اشهارها من قبل المرأة الضحية، هذا إن خرجت
بكامل علقلها وصحتها بعد حصول الجريمة. لهذا كانت المرأة وما تزال تقاوم تعيش
خوفها الخاص وقلقها المستديم كلما دقت ساعة الحرب، رغم أننا نشهد في العصور
الحديثة دخول النساء في حقل التجنيد قسراً أحيانا وطوعاً في بعض البلدان. لقد هزت
جريمة اغتصاب السيدة الليبية ايمان العبيدي ضمير العالم، إذ تناوب على انتهاكها
عدد كبير من رجال الأمن الليبي. وبالتأكيد هناك ما يجري وراء الكواليس ويبقى سراً
لا تقدر النساء على البوح به. بل يتم تناوله أحياناً على سبيل العمل الفني
والتخيلي- ليس إلا.
النساء الصحفيات أثناء الحرب
لقد اقتحمت النساء حرفة الصحافة بمهنية عالية، بل وأثبتن جدارتهن
في التغطية من مواقع الحروب والثورات في دول متفرقة من العالم، رغم ما تحيط بهذه
المهمة من مخاطر قد تودي بحياة الإعلامي الذي ينقل شهادة حية عما يجري على أرض
المعركة بالصوت والصورة. من الأمثلة المؤسفة التي وقعت لنساء صحافيات نذكر
الصحافية الامريكية لارا لوغان التي اغتصبت في ساحة عامة وتحرش بها الكثيرون في لحظة
تاريخية من حياة الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. رغم هذه
الواقعة المشينة فقد لوحظ عربيا وعالمياً مشاركة نسوية ومعاضدة قوية في الشارع
المصري من قبل المرأة والرجل. لقد كان حضور المرأة من كل الأعمار والأديان والطبقات
الاجتماعية.
هذه الحوادث لن تطوى من أرشيف الصحافة
والحروب لأن الاغتصاب جريمة، ولأن الإعلامي شخص مسالم وليس مجرماً، بل يفترض أنه
مجرد أداة حيادية توثق للحدث وتصف أبعاد المشهد وما يجري في الشارع. ما زالت
الصحافة تتناول مأساة لارا لوغان وتنبش في أوجاع قصص النساء الصحافيات رغم تحفظ
البعض على ذكرتفاصيل الحوادث التي يتعرضن إليها كي لا يخسرن عملهن في المستقبل.
ونظراً لحساسية موقع المرأة الصحافية فهي تخضع لدولات تعليمية للدفاع عن نفسها
كفرد، وفي بعض الحالات يتم ارسال حارس يقوم بحمايتها شخصياً. لم تكن "لارا
لوغان" ألأامريكية أول صحافية ضحية ولن تكون الأخيرة. لقد وقعت الصحافية
الكندية ميليسا فنغ ايضاً ضحية اغتصاب جنسي. واخذت رهينة اجل ابتزاز مادي من قبل
بعض رجالات حركة طالبان في افغانستان حين كانت في مهنة صحافية عام 2008. وحين تم
اخلاء سبيها وعادت إلى كندا ألفت كتاباً عن تجربتها بعنوان" تحت سماء
افغانسان". كما سمعت تسجيلا صوتياً للكاتبة المصرية منى الطحاوي-في
اذاعة سب بي سي الكندية، تتحدث عن التحرش
الجنسي الذي تعرضت إليه حين تواجدها في مصر في الأونة الأخيرة. ونعلم أن الخوف
والشعور بالمذلة والعار يكمم أفواه الكثيرات...
التحرش الجنسي واللفظي ضد
المرأة العربية
المتتبع لأحوال وأخبار النساء يلحظ تضخماً في العدوانية ضد المرأة تبدأ
بالانتهاك اللفظي الجنسي الفاحش من رجال الأمن والسلطة الحاكمة وببذاءة تفوق
التصور. هذه البذاءات تمارس ضد الرجل أيضاً. لكن المرأة ويحكم موقعها الحساس
والضعيف يغدو انتهاك اسمها وسمعتها أشد إيلاماً لما تحمله من قيمة معنوية تمثل شرف
القبيلة والأسرة وأحياناً الوطن. هذه اللغة البذيئة سمعناها في بعض مقاطع الفيديو
حيال نساء شاركن سلمياً في التظاهر في بعض المناطق السورية. لكن هذه البذاءة لم تبق
حكراً على رجالات البوليس والأمن والشرطة، بل صارت بالمقابل لغة البعض في صفوف
المعارضة. مؤسف ما يطالعنا أحيانا من الانتهاكات اللفظية الجنسية الفظة على صحفات
الفيسبوك حيال الفنانات والأفراد الذين مع أو ضد.
الشارع العربي ذاهب في حراك ثوري لا يخلو
العنف على كل الأصعدة. وتناول عرض "الحريم" أو النساء شائع في الشارع
العربي والغربي أيضاً ذلك أن التفوق الجنسي ما يزال يلعب دوره في ذهن المجتمع.
بهذه المناسبة نتوقف لنذكّر بالحملة العالمية التي أقامتها الأمم المتحدة عام 2008
من أجل وضع حدّ لجرائم اغتصاب المرأة في أيام الحرب والسلم. إنها دعوة عالمية
وحملات مناهضة للعنف الجنسي، يمكن لكل فرد المشاركة فيها وذلك بأخذ صورة جماعية أو
فردية للأشخاص وهم يضعون الذراعين أمام الصدر في حالة تصالب. لقد أنشئت لهذه
الغاية مواقع الكترونية، تضم رجالاً ونساء من العالم يقفن ضد الاغتصاب. الاغتصاب
فعل شنيع يعكس مدى انحطاط الأفراد الذين يرتكبونه تحت أي ذريعة كانت. واللافت
للانتباه أن التظاهر في الشارع السوري في بعض الجمعات كان تحت عنوان "جمعة
الحرائر" دفاعاً عن كرامة المرأة السورية والحد من التحرش بها وإن لفظياً.
صون كرامة المرأة واجب الجميع في كل الأوقات، وسواء أكانت معارضة، حيادية أو ابنة
السلطة.
نشر في صحيفة السفير اللبنانية
جاكلين سلام: كاتبة وشاعرة سورية مقيمة في
كندا
تعليقات