رواية عن ولد سمين وله حلمتان تتكلمان
«فاكهـة» روايـة عـن ولـد سميـن ولـه حلمتـان تتكلمـان
السفير 02-09-2009
جاكلين سلام
«فاكهة ـ رواية عن ولد سمين وله حلمتان تتكلمان» أول إصدار للكاتب الكندي الشاب براين فرنسيس دخلت المنافسة التي تجري في كندا كل عام لاختيار كتاب واحد يقرأه جميع الكنديين عام 2009. مسابقة «كندا تقرأ « مناسبة للتوقف عند أهم الكتب وأفضلها وليس بالضرورة أن تكون إصدارا حديثاً. تتم المناقشة عبر راديو «سي بي سي» من خلال مناقشة الأعمال الخمسة التي يقع اختيارها على ذائقة عدة نقاد يتم تكليفهم بالمهمة، معروفين بعشقهم للقراءة ومقدرتهم على تقييم العمل الأدبي. خلال سلسلة من النقاشات الثرية يقوم كل ناقد بالدفاع عن أسباب اختياره لهذا الكتاب دون الآخر، وقد يضطر إلى إقصاء الكتاب الذي اختاره في البداية. تتم تصفية المنافسة عبر مناقشة نقاط القوة والضعف في كل رواية. وايضاً تكون الفرصة متاحة للقراء والمستمعين للمشاركة في اختيار كتابهم المفضل (اونلاين) . في غضون إسبوع يتم الإعلان عن الكتاب الفائز للعام. الكتب التي تصل إلى القائمة القصيرة ترتفع مبيعاتها وتعاد طباعتها في فترة قصيرة.
«فاكهة»
الكتاب الذي بين أيدينا بعنوان «فاكهة» كان له حظ طيب من النجاح رغم أنه صدر عام 2004. استثنائيته وقوته نابعة من كونه يتعرض لحياة مراهق يتحدث عن جسده وسمنته، وميوله نحو الأولاد وأعمال المطبخ، أكثر من ميوله نحو البنات، وكرة القدم والهوايات التي تجتذب الذكور. نجح الكاتب بريان فرنسيس في استكشاف أغوار هذه الروح الفتية القلقة بطريقة فكاهية، محزنة. الشخصية المحورية هي شخصية الولد السمين «بيتر» الذي يحلل شخصيات أفراد أسرته وجيرانه ورفاقه في المدرسة كاشفاً النقاب عن الصراع الأسري الاجتماعي والنفسي، وعن الصراع الداخلي الذي يعيشه الولد الملتبس الجنس. كي يتم تسليط الضوء على الكتب المنافسة على المكانة الأولى تم ترتيب قراءة أدبية وحوارية في مواقع مختلفة ومنها «تورنتو رفرنس لايبراري» التي استضافت الروائيين وأجرت معهم حواراً. حين سأل مدير الحوار، المذيع مات غالوي عما جعل فرنسيس يختار موضوع الحلمتين مركزاً للرواية؟ أجاب مبتسمأً: كانت الفكرة في رأسي وباعتقادي أن الحلمتين عند الرجل ليستا فاعلتين لذلك اردت أن أعطيهما دوراً وشخصية.
مدخل إلى عالم الولد السمين وفاكهته التي تؤنبه وتفضحه:
«اسمي بيتر بدينغتون. تواً أصبحت في الصف الثامن مدرسة كلاك ديل الابتدائية. ستة أيام في الأسبوع، كنت أقوم بتوزيع صحيفة «سرينا اوبزيرفر» على الأهالي، وفي اليوم التالي، نبتت لي حلمتان. كان لي حلمتان دوما، ولكن ليس كحلمة البنات، بل من شاكلة «يجب أن أخفف وزني» لست مأخوذا بهما، ومن السهولة إخفاؤهما تحت القميص. إطلاقاً لا أمارس رياضة الركض، لذلك تجدهما في مكانهما. لن يبقيا هناك لمدة طويلة لأنني سأبدأ حمية غذائية وأصبح نحيفاً مع حلول عيد الميلاد».
هكذا يبدأ الفتى المراهق وصف علاقته الشائكة مع جسده السمين، وصدره ومن ثم ظهور الشعر المزعج في المنطقه السرية وتحت الابطين.
القائمة التي وضعها لنفسه في نهاية السنة عندما بلغ عمره 13 سنة، تتألف من عشر نقاط تبدأ وتنتهي بالتخلص من الوزن الزائد وقدره 204 باوند، ما يقارب الـ100كغ . انها كالتالي: التخلص من الوزن الزائد ـ شراء ثياب أكثر ـ تعلم ممارسة الرياضة ـ محاولة النظر مباشرة في عين مستر هاناه ـ أن يصبح لي بوي فرند ـ الابتسام أكثر ـ أن أصير غامضاً ـ أن يصبح لوني أسمر ـ التصرف بثقة بالنفس ـ التخلص من الوزن الزائد .... ولكن مضى عام ولم يتحقق أي من هذا، فأخذت القلم وأضفت نقطة جديدة: أن تصبح حلمتاي طبيعيتين.
ولكي يجعل الصبي حلمتيه طبيعيتين ويضع حدا لنموهما، راح يلف الشريط اللاصق البلاستيكي على مدار صدره بقوة وفوق حلمتيه. كل يوم قبل أن يلبس ثيابه ويخرج إلى المدرسة يقفل باب غرفته ويفعل ذلك ظناً منه أن هذا سيخفي مشكلته عن نظر رفاقه في المدرسة وأمام أعين أفراد أسرته المشتتة وأختيه اللتين تعانيان السمنة أيضاً، واللتين تعاملانه بقسوة وتؤذيان مشاعره كلما سنحت لهما الفرصة. يقول بيتر: «حالياً أربط البلاستيك اللاصق فوق حلمتيّ وحول صدري ثلاث لفات قبل أن اذهب إلى المدرسة. هذا النوع يمسك جيداً وأفضل من ذلك النوع الاسكتلندي لكنه يجعل التنفس صعباً. ولكن حين أفكّ اللاصق عن صدري مساء، أتألم. الآن حلمتاي أصبحتا حمراوين حارقتين دبقتين، تشبهان الكرز.
يشعر بيتر بالاضطهاد في المدرسة وفي البيت. كريستين، الأخت الكبرى تمنعه من الذهاب لزيارتها في مكان عملها. دانيلا، ابنة الجيران المضطربة نفسياً هي الصديقة الوحيدة التي تتعامل معه وتشتكي له من سوء حظها وأسرتها. فتاة غير جميلة ولا مقدرة لها على التعلم، لذلك تعمل كنادلة في مطعم والدها الايطالي. لغتها بذيئة وعدوانية. حياتها خالية من البهجة ومع ذلك تقرر المشاركة في مسابقة ملكة جمال المنطقة. تصاب بخيبة أمل ويزداد حنقها على المحيط حين تفشل. تتعامل مع بيتر كما لو أنه بنت. في هذا الفصل يجيد الكاتب تصوير تصرفات المراهقين، كشف عوالمهم الداخلية وطريقة تفكيرهم. لكنه يعود دائماً إلى مأساته مع حلمتيه فيقول: «الحقيقة أن المشاعر التي اتنابتني سيئة، لأنني لا أستطيع أن أكون طبيعيا. أن أسعد والدي، حاولت ولم أصل إلى نتيجة». المخرج الوحيد من هذه المعاناة يكون بفقرة بعنوان «فيلم ما قبل النوم» يهرب الولد من واقعه بالفنتازيا. يسرد الكاتب في نهاية كل فصل من الكتاب، عدة صفحات محورها بيتر المنتصر المتحقق المحبوب الناجح، الرياضي ومثار اهتمام الأولاد والبنات. يحلم الولد بذلك حتى يغرق في النوم. حلم ما بين النوم واليقظة يعكس الحرمان والصراع الذي يجري في عوالم بيتر الروحية. وهذه الفقرات مشوقة ومحملة بحس الفكاهة الآسر.
بلا حوادث
لا تحمل الرواية حوادث مصيرية تغير حياة هذا الولد، ولعل هذا نقطة ضعف في الكتاب، إذ يبقى السرد يدور وينتهي بفيلم ما قبل النوم. عدا بعض الأحداث الاستثنائية التي تكشف التباس هويته الجنسية. مثلاً: عندما ذهبت عائلة بيتر في رحلة خارج المدينة شعر الصبي بالسعادة. انها فرصته كي يمارس حريته. ذهب إلى غرفة الأم ولبس ثوبها، ثم بدأ يستخدم الكحل والماسكارا، أحمر الشفاه وكريم الوجه تماما كما تفعل أي فتاة، ولبس حمالة الصدر أيضاً. ألقى نظرة إعجاب على نفسه في المرآة، كان يسمع أصواتا من داخله، تثمن عمله تارة، وتدينه تارة. لكنه شعر بالإعجاب بنفسه ثم ذهب للرقص في صالة البيت. في لحظة ما شعر بالتجمد والرعب، إذ تراءى له أن خاله الذي يزورهم في العادة، كان واقفاً ينظر إليه من خلال النافذة، ثم اختفى فجأة. بقي الصبي كسيرا حزينا خائفا من افتضاح سره. لاحقاً أدرك أن الخال السمين (ادي) مثليٌ جنسيا لذلك لم يتزوج رغم تقدمه في العمر.
ثم يتعرض إلى العلاقة الشائكة بين الأب والأم التي اعترفت باكية بأنها كانت تكثر من الحلويات والأكل اللذيذ وتقدمه لأولادها كي يقتربوا منها أكثر ويحبوها. أفراد الأسرة صاروا يعانون من السمنة ويتحدثون عنها كهمّ يومي. لكن بيتر مثل أختيه يحاول أن يجد حلاً ويمارس الرياضة، لكن جسده الكسول يخزله. وحين يمارس الرياضة في المدرسة يسقط ويغمى عليه فيسعفوه. يكشف الطبيب عنه فيقول له بيتر «كما ترى يا دكتور، حلمتاي نافرتان، ولم أكن أريد أن ينتبه إليهما أحد» ليبرر استعماله الشريط اللاصق.
بينما هو هناك تقول له حلمتاه (أخبره) «حلمتاي تهمسان لي من تحت القميص.. تجمدت في مكاني. حلمتاي لم تتكلمان أبدا في حضور أحد. وهنا حوار قصير بينه وبين طبيبه»
دكتور لوكا، هل سمعت ذلك؟
سمعت ماذا؟
الأصوات، هل تسمعها؟
قلب الدكتور شفتيه وقال: هل بإمكانك يا بيتر أن تصف لي هذه الأصوات.
الحلمتان تقولان: «أخبره» ... لكنني تيقظت وقلت لنفسي، يبدو أنه لم يسمع، ويجب أن أتصرف بسرعة وذكاء، وإلا سيرسلني إلى مشفى المجانين...
قلت: عفوا، ربما كنت اسمع صوت مسز لوكا، كأنها على الهاتف، يبدو إنها كثيرة الكلام، أليس كذلك؟
نعم، نوعا ما. قالها بتنهد
أجاب بيتر: منذ كم سنة أنت متزوج.
منذ 37 سنة.
بدأ يكثر الأسئلة على الطبيب كي يشغله عن السؤال عن مشكلة حلمتيه. لكن الطبيب فهم قصده وطمأنه على سلامته. رغم هذا لم يستطع أن يتصالح مع جسده حتى النهاية فيقول «أعتقد أن الشيء الذي لم يتغير هو حلمتاي الكرزيتان. ما تزالان هنا، منتفختين، حمراوين. بعض الأحيان أتصور أنهما صامتتان لأنهما غاضبتان علي، أحيانا أحاول أن أفهم هل هما حقا تكلمتا منذ البداية. كم غريب ذهننا الذي يجعلنا نصدق حدوث أشياء لم تحصل في الحقيقة، وخاصة فيما يخص ذواتنا». ص 275.
لا بد من فيلم ما قبل النوم، وهذه فقرة يقول فيها «وجدت نفسي ألبس لباسا رياضياً جميلاً، أدخل المدرسة بقوة وثقة... يتحلق من حولي البنات والأولاد... تقع عيني على كرة القدم... التقطها، وهذه المرة أعرف كيف أتصرف بها.... أركض وألعب لكنني أخاف أن يتمزق الشريط اللاصق الملفوف على صــدري ويــرى الجميع فاكهتي التي حاولت أن أخبـــئها... ثم أغــرق في النوم».
(كاتبة سورية تقيم في كندا)
تعليقات