شهرزاد بثوب انكليزي وقلب بوست-مودرن
الهويـة والهجـرة كمـا تراهمـا الكاتبـة الأميركيـة الهنديـة جومبـا لاهيـري
المجموعة القصصية الأخيرة «أرض غير مألوفة» للكاتبة جومبا لاهيري وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة السنوية الأميركية «جائزة القصة» وتسلمت مبلغا قدره خمسة آلاف دولار في احتفالية كبيرة أقيمت في نيويورك في الرابع من مارس الجاري 2009. حيث حضر وقرأ المرشحون الثلاثة للجائزة والذي وقع على كتبهم الاختيار منافسة مع 73 مجموعة للقصص الصادرة بالانكليزية، خلال الدورة السنوية الأخيرة. ضمت القائمة القصيرة كلا من جومبا لاهيري، جو مينو، وتوبياس وولف الذي تسلم الجائزة الأولى وقدرها 20 ألف دولار عن مجموعته «قصتنا بدأت». وما تزال «أرض غير مألوفة» مدرجة في القائمة الطويلة لجائزة «الكومنوليث» إلى جوار كتاب كبار من أفريقيا، جنوب أسيا، أوروبا، كندا، والأميركتين. والجائزة تعنى بالأدب العالمي المكتوب أو المترجم إلى الإنكليزية وسيلعن عنها هذا الربيع.
كيف استطاعت الكاتبة الهندية المشارب - الشرق أسيوية السحنة والدم أن تحصد الجوائز الأميركية وتصل إلى العالمية ترجمة ومبيعات في قرابة عقد من الزمن ومن خلال ثلاثة إصدارات فقط؟ ولم تتناول أعمالها أياً من التابوهات، لم تكتب جنساً زاعقاً، لم تتناول مسألة الإسلام أو الهندوسية، ورغم ذلك نجد كتبها تجاور كتب سلمان رشدي في قوائم الجوائز والترشيحات.
قصص لاهيري حققت نجاحا منقطع النظير لم تشهده القصة القصيرة منذ زمن من خلال كتبها الثلاثة التي حازت على جوائز عاليمة منها جائزة بوليتزر عام 2000عن مجموعتها الأولى التي حملت عنوان «مترجم الأمراض» أو الآلام الصادرة عام 1999. ثم تلتها رواية أولى بعنوان «من أجل الاسم» وكان لها نصيب فتم تحويلها إلى فيلم سينمائي، قامت الكاتبة بتمثيل دور فيه. فيما صدرت «أرض غير مألوفة» عام 2008 ووقع عليها الاختيار لتكون ضمن قائمة أهم الكتب التي صدرت في 2008. فازت كذلك بجائزة القصة في ايرلندا «فرانك اوكنر». المجموعة التي تقع في 333 صفحة من القطع الكبير، تضم تسع قصص موزعة على فصلين. بعض القصص تزيد عن 50 صفحة. فما سر إبداعها!
القصة عند لاهيري في مجموعتها الأخيرة زاخرة بالتفاصيل على أكثر من محور. لا تقف عند توصيف المكان، الشيء، الشخص، بل تذهب أبعد وتقدم لنا بانوراما عن الانفعال الداخلي والمشاعر والتقلبات التي تعتري شخصياتها التي تحاول العيش في واقع ملتبس غريب، هجين غير مألوف. هذه التفاصيل بكل دقتها ودهشتها تجذب انتباه القارئ وهو يتابع تفاصيل الحكاية التي تصعد إلى الذروة، وتكون النهايات على الغالب غير غير متوقعة. وهنا تكمن بعض أسرار نجاح هذه الكاتبة الشابة التي خطت لنفسها درباً مميزاً - إن وجد فيه النقاد، حاجة إلى أصوات انكليزية أخرى - وذلك دون أن تجعل من الدين أو الجنس موضوعة تتعكز عليها. الثيمة الأساسة التي تشتغل عليها الكاتبة هي الخوض في حياة المهاجرين الهنود تحديداً، الموزعين ما بين البلاد التي قدموا منها حاملين عاداتهم، روائحهم، ثيابهم، أطباقهم، وما يجري في داخلهم وهم يسعون للتآلف مع المحيط الخارجي والمكان الجديد. هذه الرقعة المهجرية لا شك غنية بالمتناقضات والصدام والاستئنائية، وتجيد الكاتبة تسخيرها في عملها الإبداعي.
أرض غير مألوفة
في «ارض غير مألوفة» نتعرف على مشاكل الشباب المهاجر الممزق ما بين تقاليد العائلة وبين الرغبة في الاندماج في المجتمع الجديد وذلك من خلال علاقات الحب، الصداقة، الزواج المختلط، علاقة الوالدين بالأبناء،الإدمان على الكحول، الخروج عن طوع العائلة...الخ. القصص تنتصر مرة للشخصية الهندية، وتنتصر مرة للشخصية الإنكليزية أو الأميركية. لا تحاول أن تصدر أحكاماً اخلاقية وتمييزاً بين مجتمع دون آخر. تعتمد لغة بسيطة خالية من المقولات الكبرى الفكرية والفلسفية. تتنحى الكاتبة عن ثقافتها الشخصية، لترسم لنا شخصيات فقيرة، جاهلة، طيبة، ذكية، ومثقفة. وتستفيد بالتأكيد من تجربة حياتها كونها ابنة عائلة بنغالية عاشت ودرست في الغرب، تزوجت من صحافي مختلط الهوية، لتنجب أطفالاً بهوية كونية، وكتباً تتوسل طريقها في العالم. كتابتها خالية من الانفعال، وتلامس عوالم النفس من الداخل بهدوء وحكمة إلى حدّ ما.
قصة «أرض غير مألوفة» تأخذ صفحة من الكتاب، تقتحم قلب الحياة المهجرية وما تفرضه من ازدواجية في المعايير. الشابة هندية متزوجة من أميركي، تبدو سعيدة باختيارها وتقبل أسرتها لهذا الخيار. يبدأ صراعها مع ذاتها بصمت حين تصبح أماً وتتخلى عن عملها الذي حصلت عليه بالدراسة والعمل الشاق. تربية الأطفال والتفرغ للبيت، تفقدها الخبرة في سوق العمل، تحرمها من كونها امرأة منتجة مادياً، إذ ينحسر دورها إلى العناية بالأولاد، الطبخ، إرضاء الزوج ومراقبة نجاحاته. هذه التفاصيل كانت أمها تقوم بها، من غير شهادات جامعية ولغة انكليزية متقدمة. القصة تقدم صورة متمدنة عن الأب الذي يقوم بزيارتها في بيتها الجديد، بعد وفاة والدتها. يبدأ بانتقادها بلطف، يلفت انتباهها الى اهمية العودة إلى العمل وعدم الاكتفاء بدور الأم - الزوجة. بين سطور الحكاية نكتشف مشاعرها اتجاه كل من والدها وموت والدتها الذي ترك حزناً بليغا في نفسها. الزمن في القصة ليس هنيهة وساعات، بل يغطي حقبة زمنية -جوانب من طفولتها، شبابها علاقتها بأهلها، زواجها، وتقاعد والدها الذي طاله التغيير أيضًأ وصار عنده «صديقة هندية» ولا يبدو عليه الحزن لوفاة زوجته.
أما قصة «الجنة - الجحيم» تأخذنا شهرزاد الهند إلى عائلة بنغالية أخرى. شاب مهاجر لا أهل له في البلد الجديد، ينضم إلى أسرة عرفها بالصدفة. يعامله الجميع كفرد منهم. يدعونه للأكل معهم والاحتفالات ، فيما هو يجري بحوثه التي قدم من أجلها. الشاب الهندي يتعرف على صديقة أميركية. حين يقرر الزواج منها تقع الحبكة «الهندية الكلاسيكية» يبدأ الخصام بينه وبين والديه المقيمين في الهند، الرافضين كلياً فكرة زواجه من أجنبية. على أمل أن ينهي دراسته ويعود ليتزوج من فتاة خطبوها له. تصور في القصة امتعاض الجالية الهندية من هذا خيار الزواج بأجنبية، من خلال نميمة النسوة أثناء تجمعات الجالية الهندية التي يحضرها الشاب وصديقته. كلهم يتكهنون بأن الغريبة ستخونه، ستتخلى عنه بعد أن تشبع رغباتها. ويحصل بعد الإنجاب العسير ومرور السنين أن يخونها الرجل ويتعرف على شابة هندية بعد أن يحقق حضوراً ونجاحاً مادياً. ونراه هو الذي يتملص من علاقاته بأصدقائه الهنود حين يكفّ عن الاحتياج إليهم كخلية اجتماعية بدلاً عن الأهل.
في قصص أخرى كـ«الإلهة فقط» تتزوج الشابة الهندية رجلاً أميركيا يكبرها بسنوات، تعيش معه بحب وسلام إلى أن يحضر أخوها الأصغر ليقيم في بيتها أياما معدودة. يحصل خلاف حاد بينها وبين زوجها بسبب تصرفات أخيها الأرعن الذي تخلى عن دراسته ووقع أسيراً للكحول منذ أن كان طالباً مراهقاً. في هذه القصة تتطرق إلى الخداع والكذب اللذين يمارسهما الولد والبنت على والديهما. البنت تشتري الكحول لأخيها الأصغر وتخفي عن أهلها. يتمكن الكحول من دم الشاب، فيفقد توازنه ومستقبله العلمي، يتم توقيفه من قبل البوليس أكثر من مرة بسبب الشراب وسياقة السيارة بسرعة. أثناء زيارته الأولى لأخته المتزوجة التي رزقت بطفل صغير، يتذبذب تصرف الأخ ما بين الجميل والأنيق إلى أقصى اللامسؤولية والتي كادت تودي بحياة طفلهم الوحيد. الشاب يبدي اهتماما وحباً جماً للطفل. يطلب من أخته وزوجها أن يقتنصا الفرصة ويذهبا لحضور فيلم، فيما هو يعتني بالطفل. حين يعودون إلى البيت يجدون الشاب نائماً مخموراً فيما الطفل الصغير متروك في مغطس الحمام لوحده والماء بارد. وفي القسم الثاني من المجموعة يتبادل شخصان السرد والحديث عن ذكريات الطفولة والفترات اللاحقة. فنقع على لوحات دقيقة عن انطباعات الأولاد والأهل ومشاعرهم اتجاه الفقر، لون الثياب واختلافها عن الاخرين، زواج الأب بعد وفاة الأم....الخ. على هذا المنوال تدور قصص «أرض غير مألوفة» التي تلتقي بشدة مع أجواء مجموعتها الأولى «مترجم الآلام» التي تقع في 200 صفحة وتضم أيضا تسع قصص. شخصياتها من كل الطبقات الاجتماعية، وتحمل اسماء هندية قد يرفضها الأبناء كما يجري في روايتها «من أجل الاسم» التي تتناول مشكلة شاب هندي لا يحب اسمه ولا يراه مناسباً للعمل في البلد الجديد. يقول في إحدى فقرات الفيلم الدرامي الذي أخرج عام 2007 «أريد أن أغير اسمي. تخيلوا أن يظهر اسم «غوغل» على بطاقة البزنس أو في السيرة الذاتية لطلب العمل».
تكتب لاهيري وكأنها شهرزاد الهند في ثوب انكليزي وقلب «بوست مودرن». قصصها كحال امرأة تلبس بنطال الجيبز الضيق وتضع دائرة حمراء على جبينها، فيما الساري بألوانه الزاهية يتدلى برهافة تأخذه الريح ويتغلغل في ذهن العابر الأميركي والهندي على حد سواء. ويبدو أن «المهجر الهنــدي - اذا جــاز التعبير - قد قدم أدباً مميزاً وغنياً، فهل يستيقظ القلم المهجري العربي ويقدم للعالم «ألف ليلة وليلة» بثوب العصر؟
شــهرزاد بثــوب إنكليــزي وقلــب بوســت مــودرن
جاكلين سلام
صحيفة السفير 24-03-2009
المجموعة القصصية الأخيرة «أرض غير مألوفة» للكاتبة جومبا لاهيري وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة السنوية الأميركية «جائزة القصة» وتسلمت مبلغا قدره خمسة آلاف دولار في احتفالية كبيرة أقيمت في نيويورك في الرابع من مارس الجاري 2009. حيث حضر وقرأ المرشحون الثلاثة للجائزة والذي وقع على كتبهم الاختيار منافسة مع 73 مجموعة للقصص الصادرة بالانكليزية، خلال الدورة السنوية الأخيرة. ضمت القائمة القصيرة كلا من جومبا لاهيري، جو مينو، وتوبياس وولف الذي تسلم الجائزة الأولى وقدرها 20 ألف دولار عن مجموعته «قصتنا بدأت». وما تزال «أرض غير مألوفة» مدرجة في القائمة الطويلة لجائزة «الكومنوليث» إلى جوار كتاب كبار من أفريقيا، جنوب أسيا، أوروبا، كندا، والأميركتين. والجائزة تعنى بالأدب العالمي المكتوب أو المترجم إلى الإنكليزية وسيلعن عنها هذا الربيع.
كيف استطاعت الكاتبة الهندية المشارب - الشرق أسيوية السحنة والدم أن تحصد الجوائز الأميركية وتصل إلى العالمية ترجمة ومبيعات في قرابة عقد من الزمن ومن خلال ثلاثة إصدارات فقط؟ ولم تتناول أعمالها أياً من التابوهات، لم تكتب جنساً زاعقاً، لم تتناول مسألة الإسلام أو الهندوسية، ورغم ذلك نجد كتبها تجاور كتب سلمان رشدي في قوائم الجوائز والترشيحات.
قصص لاهيري حققت نجاحا منقطع النظير لم تشهده القصة القصيرة منذ زمن من خلال كتبها الثلاثة التي حازت على جوائز عاليمة منها جائزة بوليتزر عام 2000عن مجموعتها الأولى التي حملت عنوان «مترجم الأمراض» أو الآلام الصادرة عام 1999. ثم تلتها رواية أولى بعنوان «من أجل الاسم» وكان لها نصيب فتم تحويلها إلى فيلم سينمائي، قامت الكاتبة بتمثيل دور فيه. فيما صدرت «أرض غير مألوفة» عام 2008 ووقع عليها الاختيار لتكون ضمن قائمة أهم الكتب التي صدرت في 2008. فازت كذلك بجائزة القصة في ايرلندا «فرانك اوكنر». المجموعة التي تقع في 333 صفحة من القطع الكبير، تضم تسع قصص موزعة على فصلين. بعض القصص تزيد عن 50 صفحة. فما سر إبداعها!
القصة عند لاهيري في مجموعتها الأخيرة زاخرة بالتفاصيل على أكثر من محور. لا تقف عند توصيف المكان، الشيء، الشخص، بل تذهب أبعد وتقدم لنا بانوراما عن الانفعال الداخلي والمشاعر والتقلبات التي تعتري شخصياتها التي تحاول العيش في واقع ملتبس غريب، هجين غير مألوف. هذه التفاصيل بكل دقتها ودهشتها تجذب انتباه القارئ وهو يتابع تفاصيل الحكاية التي تصعد إلى الذروة، وتكون النهايات على الغالب غير غير متوقعة. وهنا تكمن بعض أسرار نجاح هذه الكاتبة الشابة التي خطت لنفسها درباً مميزاً - إن وجد فيه النقاد، حاجة إلى أصوات انكليزية أخرى - وذلك دون أن تجعل من الدين أو الجنس موضوعة تتعكز عليها. الثيمة الأساسة التي تشتغل عليها الكاتبة هي الخوض في حياة المهاجرين الهنود تحديداً، الموزعين ما بين البلاد التي قدموا منها حاملين عاداتهم، روائحهم، ثيابهم، أطباقهم، وما يجري في داخلهم وهم يسعون للتآلف مع المحيط الخارجي والمكان الجديد. هذه الرقعة المهجرية لا شك غنية بالمتناقضات والصدام والاستئنائية، وتجيد الكاتبة تسخيرها في عملها الإبداعي.
أرض غير مألوفة
في «ارض غير مألوفة» نتعرف على مشاكل الشباب المهاجر الممزق ما بين تقاليد العائلة وبين الرغبة في الاندماج في المجتمع الجديد وذلك من خلال علاقات الحب، الصداقة، الزواج المختلط، علاقة الوالدين بالأبناء،الإدمان على الكحول، الخروج عن طوع العائلة...الخ. القصص تنتصر مرة للشخصية الهندية، وتنتصر مرة للشخصية الإنكليزية أو الأميركية. لا تحاول أن تصدر أحكاماً اخلاقية وتمييزاً بين مجتمع دون آخر. تعتمد لغة بسيطة خالية من المقولات الكبرى الفكرية والفلسفية. تتنحى الكاتبة عن ثقافتها الشخصية، لترسم لنا شخصيات فقيرة، جاهلة، طيبة، ذكية، ومثقفة. وتستفيد بالتأكيد من تجربة حياتها كونها ابنة عائلة بنغالية عاشت ودرست في الغرب، تزوجت من صحافي مختلط الهوية، لتنجب أطفالاً بهوية كونية، وكتباً تتوسل طريقها في العالم. كتابتها خالية من الانفعال، وتلامس عوالم النفس من الداخل بهدوء وحكمة إلى حدّ ما.
قصة «أرض غير مألوفة» تأخذ صفحة من الكتاب، تقتحم قلب الحياة المهجرية وما تفرضه من ازدواجية في المعايير. الشابة هندية متزوجة من أميركي، تبدو سعيدة باختيارها وتقبل أسرتها لهذا الخيار. يبدأ صراعها مع ذاتها بصمت حين تصبح أماً وتتخلى عن عملها الذي حصلت عليه بالدراسة والعمل الشاق. تربية الأطفال والتفرغ للبيت، تفقدها الخبرة في سوق العمل، تحرمها من كونها امرأة منتجة مادياً، إذ ينحسر دورها إلى العناية بالأولاد، الطبخ، إرضاء الزوج ومراقبة نجاحاته. هذه التفاصيل كانت أمها تقوم بها، من غير شهادات جامعية ولغة انكليزية متقدمة. القصة تقدم صورة متمدنة عن الأب الذي يقوم بزيارتها في بيتها الجديد، بعد وفاة والدتها. يبدأ بانتقادها بلطف، يلفت انتباهها الى اهمية العودة إلى العمل وعدم الاكتفاء بدور الأم - الزوجة. بين سطور الحكاية نكتشف مشاعرها اتجاه كل من والدها وموت والدتها الذي ترك حزناً بليغا في نفسها. الزمن في القصة ليس هنيهة وساعات، بل يغطي حقبة زمنية -جوانب من طفولتها، شبابها علاقتها بأهلها، زواجها، وتقاعد والدها الذي طاله التغيير أيضًأ وصار عنده «صديقة هندية» ولا يبدو عليه الحزن لوفاة زوجته.
أما قصة «الجنة - الجحيم» تأخذنا شهرزاد الهند إلى عائلة بنغالية أخرى. شاب مهاجر لا أهل له في البلد الجديد، ينضم إلى أسرة عرفها بالصدفة. يعامله الجميع كفرد منهم. يدعونه للأكل معهم والاحتفالات ، فيما هو يجري بحوثه التي قدم من أجلها. الشاب الهندي يتعرف على صديقة أميركية. حين يقرر الزواج منها تقع الحبكة «الهندية الكلاسيكية» يبدأ الخصام بينه وبين والديه المقيمين في الهند، الرافضين كلياً فكرة زواجه من أجنبية. على أمل أن ينهي دراسته ويعود ليتزوج من فتاة خطبوها له. تصور في القصة امتعاض الجالية الهندية من هذا خيار الزواج بأجنبية، من خلال نميمة النسوة أثناء تجمعات الجالية الهندية التي يحضرها الشاب وصديقته. كلهم يتكهنون بأن الغريبة ستخونه، ستتخلى عنه بعد أن تشبع رغباتها. ويحصل بعد الإنجاب العسير ومرور السنين أن يخونها الرجل ويتعرف على شابة هندية بعد أن يحقق حضوراً ونجاحاً مادياً. ونراه هو الذي يتملص من علاقاته بأصدقائه الهنود حين يكفّ عن الاحتياج إليهم كخلية اجتماعية بدلاً عن الأهل.
في قصص أخرى كـ«الإلهة فقط» تتزوج الشابة الهندية رجلاً أميركيا يكبرها بسنوات، تعيش معه بحب وسلام إلى أن يحضر أخوها الأصغر ليقيم في بيتها أياما معدودة. يحصل خلاف حاد بينها وبين زوجها بسبب تصرفات أخيها الأرعن الذي تخلى عن دراسته ووقع أسيراً للكحول منذ أن كان طالباً مراهقاً. في هذه القصة تتطرق إلى الخداع والكذب اللذين يمارسهما الولد والبنت على والديهما. البنت تشتري الكحول لأخيها الأصغر وتخفي عن أهلها. يتمكن الكحول من دم الشاب، فيفقد توازنه ومستقبله العلمي، يتم توقيفه من قبل البوليس أكثر من مرة بسبب الشراب وسياقة السيارة بسرعة. أثناء زيارته الأولى لأخته المتزوجة التي رزقت بطفل صغير، يتذبذب تصرف الأخ ما بين الجميل والأنيق إلى أقصى اللامسؤولية والتي كادت تودي بحياة طفلهم الوحيد. الشاب يبدي اهتماما وحباً جماً للطفل. يطلب من أخته وزوجها أن يقتنصا الفرصة ويذهبا لحضور فيلم، فيما هو يعتني بالطفل. حين يعودون إلى البيت يجدون الشاب نائماً مخموراً فيما الطفل الصغير متروك في مغطس الحمام لوحده والماء بارد. وفي القسم الثاني من المجموعة يتبادل شخصان السرد والحديث عن ذكريات الطفولة والفترات اللاحقة. فنقع على لوحات دقيقة عن انطباعات الأولاد والأهل ومشاعرهم اتجاه الفقر، لون الثياب واختلافها عن الاخرين، زواج الأب بعد وفاة الأم....الخ. على هذا المنوال تدور قصص «أرض غير مألوفة» التي تلتقي بشدة مع أجواء مجموعتها الأولى «مترجم الآلام» التي تقع في 200 صفحة وتضم أيضا تسع قصص. شخصياتها من كل الطبقات الاجتماعية، وتحمل اسماء هندية قد يرفضها الأبناء كما يجري في روايتها «من أجل الاسم» التي تتناول مشكلة شاب هندي لا يحب اسمه ولا يراه مناسباً للعمل في البلد الجديد. يقول في إحدى فقرات الفيلم الدرامي الذي أخرج عام 2007 «أريد أن أغير اسمي. تخيلوا أن يظهر اسم «غوغل» على بطاقة البزنس أو في السيرة الذاتية لطلب العمل».
تكتب لاهيري وكأنها شهرزاد الهند في ثوب انكليزي وقلب «بوست مودرن». قصصها كحال امرأة تلبس بنطال الجيبز الضيق وتضع دائرة حمراء على جبينها، فيما الساري بألوانه الزاهية يتدلى برهافة تأخذه الريح ويتغلغل في ذهن العابر الأميركي والهندي على حد سواء. ويبدو أن «المهجر الهنــدي - اذا جــاز التعبير - قد قدم أدباً مميزاً وغنياً، فهل يستيقظ القلم المهجري العربي ويقدم للعالم «ألف ليلة وليلة» بثوب العصر؟
تعليقات