حوار مع جاكلين سلام عام 2006

أجري الحوار بعد صدور مجموعة ( رقص مشتبه به) للشاعرة جاكلين سلام
نشر في صحيفة النصر الجزائرية
اجرت الحوار: نوارة لحرش عام 2006


(كلماتي تحاول الوصول إلى الذات القلقة العصية على الكشف والشعر والثبات).
( تحاول القصيدة أن تنجز رقصتها).



جاكلين سلام شاعرة سورية من مواليد عام 1964 ومنذ العام 1997 وهي تقيم في كندا ،وإلى جانب الشعر فهي أيضا تكتب القصة والنقد والمقالة الإجتماعية والأدبية.عـضوة في الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية /فرع كندا وعـضوة في اتحاد الإعلاميين العرب بكندا.أيضا عضوة في الهيئة الاستشارية لمجلة "جهات"التي تطبع في مصر وتوزع في العالم العربي.عضو مؤسس بمؤسسة جذور الثقافية في أمريكا وكندا.إشتغلت في مجال الصحافة المهجرية العربية في تـورنـتـو منذ العام 1998.


لها نصوص مشاركة في انطولوجيا " الشعر السوري في التسعينات".


لها نشاطات إجتماعية تخص قضايا المرأة داخل الجالية، وداخل هئيات المجتمع الكندي.


تُرجمت بعض قصائدها الى السويدية والانكليزية والفرنسية.


لها نصوص في كتاب "جـدل الآن/ إلى الألفية الثالثة في الانتقاد الفكري". طبعة أولى 2004/ دار الآن ببيروت. و لها نصوص شعرية كثيرة مشتركة مع شعراء وشاعرات كجمانة حداد وأميرة سلامة وعبدالرزاق الربيعي واليمنية نبيلة الزبير وعلي سفر وآخرون وهي بهذا تؤسس إحتفالية النص المشترك مع باقي الشعراء .


صدر لها حتى الآن "خريف يـذرف أوراق الـتوت" عام 2001 .و"كريستال" عام 2002 عن دار الكنوز الأدبية ببيروت . و" رقص مشتبه به" 2005 عن مؤسسة جذور الثقافية الأمريكية الكندية والذي قامت بتوزيعه الدار العربية للعلوم ببيروت ولها تحت الطبع مجموعة شعرية رابعة بعنوان " المحبرة أنثى" .وفي حوارها الأول من نوعه للصحافة الجزائرية تحدثت جاكلين للنصر عن عن ديوانها الجديد "رقص مشتبه به " وعن دمشق الأم وعن المنفى وعن الغربة التي تـنضجُ الشعر والجرح معا وعن الشعر ومساحاته البديلة الممكنة في الحياة وتجاوزه للواقع أحيانا .تحدثت عن كل هذا وأكثر بكثير من الحبّ والشعر وإذا كانت هي قالت في حوار أجراه معها نوري الجراح :" وجدت في الشعر والكتابة مصبـًـا لهواجسي وقلقي الذاتي وتوقــًـا لفض بكارة صمتي الثقيل " فنحن وجدنا في حوارنا معها إنسانة وشاعرة من الطراز الفاخـر بالحـبّ والنبل والوسامة الإنسانية البهية . ورغم أنها جاءت إلى الكتابة في سن متأخرة إلى أنها وبكل صدق جاءتها بعاطفة متـفجـرة.





حاورتها: نـوّارة لحرش

(الشعر عسير كما الحياة)

* كيف تقدم جاكلين الشاعرة السورية المقيمة في كندا ملامحها للقاريء الجزائري الذي لا يعرف عنها شيئاً كثيرأً؟



** جاكلين سلام: ما يعرفه القارئ السوري عني كشاعرة مهجرية لايزيد كثيراً عما يعرفه القارئ الجزائري كما أعتقد، وهذا إن قسنا المسألة بالكتابة أو الحوار أو النشر في الصحف "الرسمية" الصادرة عن هذا البلد أو ذاك. ولن أبحث في أسباب هذا. أما الصورة الأولى التي يمكنني إلقاء التحية من خلالها إلى قارئي في كل مكان، هي أنني أسكن قصيدة وفكرة تزداد وحشة واغتراباً حين لا تجد إلى قلب القارئ(ة) منفذا فتكتب من نبضها صورة عن: "امرأة/تحفر في الصخر جدولاً/يروي ردهة الحياة... /وبحلم تسيل على جبهة الفجر" هذه ومضة من مجموعتي الشعرية الأولى بعنوان "كريستال" طبع عام 2002. أنا أيضا أجهل الكثير عن الإبداع في المغرب العربي، ولولا نعمة الإنترنيت لكانت الخسائر متواصلة.

(في الشعر مقاعد شاغرة لكل صنوف الحياة.)





*  في الشعر مساحة لحياة بديلة عن الحياة المُـرّة في الواقع، هل هذا وارد؟

**جاكلين سلام: يبدو لي الشعر عسير كما الحياة. وفي الشعر مقاعد شاغرة لكل صنوف الحياة، جمالها وأوجاعها و ما علينا إلا أن نحكم القبضة على النبض الصادق علّــنا نستطيع أن نترك أثراً طيباً أو لاذعاً في ثنايا الكتاب أو الملف الإلكتروني. الشعر مصفاة نقطّر تجربة الحياة من خلالها لنطلقها لوعة أو وردة أو أنشودة مستقبلية. الشعر يتجاوز الواقع ويقدم بدائله ورغباته العالية. شعرتُ بذلك البارحة حين حضرتُ أمسية ثقافية أقامها اتحاد كندا في تورنتو، على منصة القراءة والحوار أشيرَ إلى مقعد فارغ في صدر المسرح، وهذا المقعد الشاغر يشخّـص غياب شاعر سجين أو صحفي معتقل في مكان ما من العالم، مقعد يرنو إلى بؤس الواقع وإلى هيبة الكلمة الحرة الشاعرة و إصرارها على تحرير الأحلام باستمرار، وخلق صور متجذرة في النبض الإنساني.





* ديوانك الأخير"رقص مشتبه به" الصادر عن الدار العربية للعلوم في بيروت، فيه دفق شعري مشحون بالشجن هل لأنّ الغربة أنضجت فيكِ الجرح أكثر، أم لأن مرجعية الشعر الأولى هي شحنات الحزن؟

**جاكلين سلام: ربما لأن القصيدة في هذه المجموعة -وكما ذكرت في حديث قصير مع راديو مونتي كارلو- منشغلة بنفسها وتبعثر قلقها الوجودي بدءا من علاقتها بالأشياء والتفاصيل اليومية فيتقاطع في حضن القصيدة الواحدة عالمان. الضفة الأولى من القصيدة تأخذ لبنتها من عجين الثلج والعواصف والإسمنت والتي أعيشها في هذا الجوار الكندي البارد العاصف الملتبس المسمى الوطن الثاني أو المنفى. وعلى الضفة الأخرى تحاول القصيدة أن تعجن بالحبر خيوط الذاكرة التي تأخذني إلى شرفات وطني الأول و الياسمينة السورية العريقة حين ينهكني الحنين إلى تلك البيوت الموغلة في العشق والقلق، وهذه الضفة أيضا لا تخلو من العواصف الروحية والاغتراب. وبين هنا وهناك تحاول القصيدة أن تنجز رقصتها في هذا الأفق، مشحونة بما يفيض عن الروح والجسد من الشجن ومن النبض الذي يتوق للفرح.





*  يولد النص في الغربة حارا ومكتظا بتوابل عاطفية إستثنائية من الشوق والحنين والحزن، فهل يمكن أن تحكي لنا شيئاً يخص طبيعة نصك الطازج القادم من تلك المناخات، وعن هذا العنوان "رقص مشتبه به" والمخطوط بالحرف العربي وبخط اليد؟

**جاكلين سلام : لكل نص حالته الشعرية الملتبسة والخاصة. في بعض الحالات تعلن القصيدة دهشتها ولايقينها في كلا العالمين، فتمضي امرأة القصيدة في رحلتها وحيدة في عراء العالم، ولا يفوتها أن تصادق السنجاب الكندي وتهديه بعضاً من خطوط القصيدة. وفي حالات أخرى تتعمد بحبر الحرية وتكتب إيقاع المسافة والجسد بحروف تعكس حالة سوسيولوجية يخضع لها الجسد الجمعي للمرأة العربية في مراحل نضجها المختلفة وفي كل الحالات تكون الكتابة والرقص ملاذ. أما عن لوحة الغلاف والتخطيط العربي للعنوان والاسم فجاء ترسيخاً لتواصلي مع الفنون العربية الشرقية التي أتذوق خصوصياتها الجمالية، وكان التخطيط والغلاف من إبداع الفنان البحريني "عباس يوسف" .

أما عن عنوان هذه المجموعة، فيبدو أنّ الرغبة كامنة في عمق القصيدة وتتجلى في الإنعتاق من كل شيء، من الموروث ومن الأمكنة وتوابعها الملتبسة المشتبه بها، والذوبان أيضا في كل شيء ولا يتحقق ذلك إلا بالرقص رمزا وفعلاً! ولكن إيقاع القصيدة يحتدم ويلتبس ويذهلني هذا الضباب واللايقين الذي يلف العالم كله ويكاد يجره إلى الهاوية، وكأن الكون في مخاض وليس أمامي سوى محبرة ترقص فيها الكلمات والآلهة وهي تقدم قرابينها لأجل الخصب والحبّ والتجديد لخلاص الذات والعالم.

*في الغربة هل يحق (وهل يمكن) للشاعر أن يصنع وطنه الإفتراضي كما يجب أو كما يحب ويتخيل، احكي لنا انطلاقا من تجربتك أنت جاكلين؟

**جاكلين سلام : تجربتي في الكتابة كانت وما تزال تحاول أن تبلور صورة تلو صورة لكل ما يمكنه أن يسمى وطناً. يـــا لهذه الكلمة المجازية! أقصى ما يستطيعه الشاعر أن يصنع لمخيلته بيوتـًـا من الحبر والورق، ويحلم بأنها قد تقع يوما في يد مصمم بارع يقوم بنقلها إلى خارطة وكولاج، وفي مرحلة أخرى سيتم تنفيذها بالطين والحجر والإسمنت. وأعتقد حين يتحرر قلب الشاعر(ة) من كلمة ( يجب ) تـقـل مساحات الاغتراب ويتمكن الشاعر من خلق وطن كما يشتهي. الوطن الذي ليس جغرافية محدودة وفقط، بل يتعداه ليكون صدر حبيب، أو قبلة أم، أو كتابـًـا يسرد الطريق إلى الغد... لفـتـت نظري كلمة قالها الكاتب الكندي الايراني "رضى بهراني" في حوار جميل وأمام جمهور كبير: "الكاتب لا بيت له إلا الورقة "...



( لا بد للقصيدة أن تجتهد في خلق عوالمها)







* في نصوصك نجد ملامح إفتراضية كثيرة بديلة للملامح الأصلية كالوطن، كالفرح، و الإنتماء... إلى أي حدّ أصبحت حياتنا افتراضية، أو تتكئ على مجسمات افتراضية؟

** جاكلين سلام: لي قصيدة في هذه المجموعة بعنوان " فيزياء موجة افتراضية " يخـتـلط فيها العلم بالحلم بالخيال والذاكرة، في محاولة للقبض على ما يعجز عنه الواقع المحدود. لا بد للقصيدة أن تجتهد في خلق عوالمها وتضفي مساحات وظلال بديلة لكل ما نفقتده أو نخسره أو نحلم بحيازته. ولا أدري تماما كيف يحضر ذلك في قـصيدتي.

*كيف يحضر البيت الأول والمدينة السورية في الذاكرة والنص؟ كيف تتجلى لك الأزقة العتيقة والأنيقة؟ ماهي صيغ تواصلك الأدبي مع تلك المساحة؟

**جاكلين سلام : التواصل قائم عبرالانترنيت بالدرجة الأولى والأساسية، هناك صداقات قديمة ما تزال تتجدد، وتنتعش، وهناك نوع جديد من الصلات التي تـنـشأ بالتواصل الالكتروني، وأستطيع القول أنني عبر هذا التواصل استطعت أن أشتغل في أكثر من موقع الكتروني ومنتديات ومجموعات بريدية كانت سبيلا تعويضيا عما نـفـتـقد من حوار وتبادل أفكار وأخبار، بل أثـمرت وامـتـدت إلى خلق مساحات ثـقافية خاصة أعمل فيها حاليا مع بعض الأصدقاء السوريين ومنها مثلا منبر"جدار" حيث يسلط الضوء على الثقافة السورية باختلافاتها وتنوعها وآفاقها الحالية..

ربما علاقتي بالمكان عموما تتجلى في علاقتي مع الطبيعة الباذخة السحر والجمال والتي تحيط بكل المدن السورية الجميلة. وأعتـقـد أنني أضيق ذرعا بالإسمنت والأزقة الضيقة والمغلقة والبيوت الصغيرة، وقد يكون لذلك انعكاس في كتـاباتي وخاصة السردية منها وتحديدا في نصوص مجموعة ستصدر هذا العام بعنوان "المحبرة أنثى".

*قلت لي ذات مرة بأنكِ قرأتِ رواية "سيدة المقام" لواسيني لعرج وبأن الرواية شدتك وأعجبتك، لمن قرأت من كتاب الجزائز غير واسيني الأعرج، وماذا يوجد في المحصلة الفكرية من إبداعات جزائرية؟

**جاكلين سلام: كما أشرت في بداية حوارنا، إلى أنني أجهل الكثير عن الإبداع في الجزائر وقليلة هي الأسماء التي وصلت إليها. نعم لكتابات واسيني الأعرج مكانة عالية لدي ولرواية "سيدة المقام" خصوصية باهرة أذهلتني وقرأتها أكثر من مرة، وتحدثت عنها بقوة في أكثر من مناسبة وبين الأصدقاء. ولا أدري إن كان لتلك الرقصة "المريمية" أي أثر على روح قصيدتي اليوم!

وسوف أتهرب من السؤال وأكـتـفي بذكر اهتمامي ببعض الكتب التي قراتها للباحثة " رشيدة بن مسعود" كونها مهتمة بالمرأة وكتاباتها، وهذا يتقاطع مع اهتمامي الثـقـافي...

*اأنت أيضا من الناشطات في الميدان الجمعوي إلى أي حدّ توفـقين في الكتابة الشعرية ومثل هذه الأنشطة ؟.

** جاكلين سلام: بحكم واقعنا المهجري وايقاعه السريع الفردي والغارق في العزلة والتقوقع وجدت في هذه التجمعات منفذا للتواصل مع الأوساط المـثـقـفة لتبادل وجهات النظر والتعرف على الجديد... ولأنها أحد أشكال التواصل الاجتماعي الذي نـفـتـقـده هنا، والذي يكون متوافرا في الشرق بحكم طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية والصداقات التي تـولد بتـلـقائية في محيط العمل أو الجوار أو المدارس والجامعات. وأعتـقـد أنّ هذا القليل من التفاعل لا يؤثر على العملية الإبداعية أو يعيقها، لأنها ليست بالكثافة التي قـد تـشغلني عن العودة إلى أفكاري وعزلتي التي أحتاجها لمتابعة كتاباتي الغارقة في الخصوصية والعموم.

( المزيد من الوصاية والقمع لن يكون في صالح الرقـيـب مهما تجبر.)





*مساحة الحرية المتاحة في الغرب أكثر بكثير من المتاحة عندنا في الوطن العربي، لكن الانترنيت منحت مساحة بديلة وكبيرة وكأن الأمر نكاية بأجهزة الرقابة العربية التي مازالت تؤمن بدورها كرقيب ضروري مسلط على إبداعنا وفكرنا الحر والمتحرر، كيف تنظرين إلى هذه المساحات؟.

**جاكلين سلام : باعتقادي أنّ هذا الشكل الجديد من التواصل عبر الانترنيت، سوف يسبب نقلة نوعية سريعة في ثـقافـة وواقع الوطن العربي. ولاشك أن الرقـيب يتطور "تكنولوجيا" أيضا ولكن الغلبة ستكون للكلمة الحرة وسيتعلم القارئ والكاتب والمراقب قبول الإختلاف والآخر وفكره، تدريجيا. أثق بقدرة الفرد العربي على تحديد اختياراته. المزيد من الوصاية والقمع لن يكون في صالح الرقـيـب مهما تجبر.

( لم يعد للغرباء ما يخسرونه بعد.)

* كلمة مفـتـوحـة ؟.

**جاكلين سلام: لم يعد للغرباء ما يخسرونه بعد، هذا ما كتبته في إحدى الأوراق، ولكن يبدو لي أنّ هناك الطريق مشحونة بالمفاجآت، وما يزال أمامي المزيد من الخسارات والحب والشجن والرقص الذي لابد أن أبذله كـقـرابـين على ضريح هذه الحياة. وما بين الجميل والـقـبـيح والأصيل والعابـر والمـبـتـذل أواصل بالكـتابـة اكـتـشاف نـفسي واكـتـشاف أركان جديدة من هذه(القارة المجهولة/الإنسان) الذي فينا، والآخر المقيم على مسافات عاتـية. كـلماتي تـحاول الـوصول إلى الـذات الـقـلـقة العـصية على الكـشف والشعـر والـثـبات.

حاورتها : نـوّارة لـحـرش

صحيفة ( النصر الجزائرية)و

تعليقات

جاكلين سلام

حضانة الاطفال والحقائق المرة عن محكمة الاسرة في كندا

شعرية الكريستال قراءة نقدية في مجموعة كريستال للشاعرة جاكلين سلام. د. محمد فكري الجزار

about " Anne of green Gables"

قسوة الهجرة الى كندا في مذكرات سوزانا مودي، جاكلين سلام

مراجعة كتاب وقراءة في "نادي الانتحار" والليالي العربية الجديدة

مشاركة جاكلين سلام في مؤتمر اعدت له الجامعة الكندية ( ماكماستر) حول اللغة والمنفى

انشغالات جاكلين سلام في الدستور الاردنية

حوار مع الناقد محمد عباس في صفحة منتدى مدينة على هدب طفل 2004

نصوص من مجموعة المحبرة أنثى