حوار مع جاكلين سلام اجراه علي مزهر عام 2003
هذا الحوار أجري بمناسبة صدور مجموعة ( كريستال) الشعرية للشاعرة السورية جاكلين سلام
اجراه الشاعر العراقي المقيم في امريكا علي مزهر، ومحرر موقع (نسابا) الذي توقف لاحقا
نشر الحوار في الموقع في كانون الثاني عام 2003
نسابا تحاور الشاعرة جاكلين سلام: سأذهب إلى المستقبل بأكداس من أقصى الألم حوار
علي:هذا اللقاء سيتطرق إلى مسائل عديدة تتمحور حول مجموعة جاكلين سلام الشعرية " كريستال" وهي كتابها الشعري الأول الصادر عن دار الكنوز الأدبية عام 2002، وهذه المسائل ستشمل الكتابة الشعرية عموماً، والنسوية خصوصاً، وكذلك عن موقع الشعر في ثقافة اليوم وتأثير الإنترنت والنشر الإلكتروني على الشعر وقضايا مهمة أخرى تتعلق بالاستجابة النقدية لعمل المرأة العربية واللغة والمنفى.عزيزتي جاكلين، سأبدأ من البداية، من لحظة العنوان، التي تسبق اقتحام الكتاب ، هذه اللحظة التي تشكل مقدمة عقد القراءة بيني وبين الكتاب. كريستال يوحي إليّ بالصلابة والهشاشة، بالشفافية والكثافة الناتجة عن تعدد السطوح والنقوش، إنه يحمل تناقضاً لا أستطيع التغاضي عنه، هذا التناقض يوجّه القراءة وجهةً غير متوقعة. كيف لعب التناقض دوراً في إنتاج العنوان؟ وإلى أي حد يقيم صلته بالمجموعة؟
جاكلين: يمكنني القول أنه ومن خلال هذا الكريستال، الكلمة المفردة( المعجمية) وبنية النص، الشظية وريشة الحمامة، الوردة ولون الدم وجدتني أحاول تأثيث بيت للروح، يهجع إليه حلمي الشّعري، كلما أغدقني الفضاء بغث أو سمين. كريستال بجزئه وكله ينغرز فيّ، في رحم الحياة والوجود، محملا بنا وبتناقضاتنا، قبحنا وجمالنا. أعتقد أن للعنوان كريستال صلة حميمة مع نصوص المجموعة وعساني وفقتُ في أختيار العنوان، ( كريستال) هكذا عارياً من كل صفة أو إضافة ويتناقض مع مفهوم التحف الكريستالية التي تزين أركان البيوت الفارهة. إن استطاع كريستال_ النص_ حقاً أن يأخذ القارئ ( وجهة غير متوقعة) فهو المطلوب من الشعر.أورد فقرة من كريستال
( ظبية تلد أحلامها خارج القفص
لا أرض تُجهِضُ عليها أبجدية الأقفاص)
وخروجا عن السؤال، أهمس إليكم بشيء يخص عناوين الكتب: عندما كنت صغيرة، لم يكن في بيتنا مكتبة، كنتُ أذهب إلى مكتبة المركز الثقافي في المدينة( المالكية)، ولم يكن لدي أي دليل يرشدني أو يقترح علي اسم كاتب أو كتاب، فكنت أفتش الرفوف وأختار استعارة الكتاب حسب العنوان الذي يروق لي! وفي البيت أراني إما أركض بين سطوره حتى أنهيه، أو أضجر منه من البداية وأرميه جانياً. عندما صدر كريستال بعثتُ نسخة منه( إهداء) إلى تلك المكتبة التي أجلّها.نسابا
علي:أنا لم يخطر في بالي كريستال بوصفه تحفة أو قطعة أثاث، مع أن هذا وارد، وهو بقدر ما ينتمي إلى ما يسمّى بشعرية الأشياء ينتمي إلى عالم المرأة أيضاً، هل تعتقدين أن هذه القراءة خاطئة، أو سيئة النية مثلاً لو اقترحتها في البدء؟ من هنا أود لو تتحدثين قليلاُ عما يميّز الكتابة النسوية، عندك خاصة، والحاقاً بالسؤال الأول أرى أنك تعتمدين شعرية التناقض والمفارقة، وخاصة في القصائد الأربعة التي حملت عنوان كريستال، في تحقيق الأثر الشعري ولأورد مثلاً
(أم
يتدفق حليبها
إذا داعبها الهواء
طفلها جائع منذ الأزل).
لا يتبع هذا الأسلوب نمطاً ثابتاً ولكنه يتكرر بشكل لافت.
نصوص المجموعة أغفلت في إرشادنا إلى تأريخ تدوينها، هل ثمة سبب لذلك، هل تم هذا عن قصدية؟
جاكلين: حين يخرج النص من يدي وإلى القارئ أو الناقد، تتبدل المواقع وأصبح أنا في موقع المتلقي أو المستمع لما يدور ويجول في النص وحوله، في عيون وروح الآخر. ومن هنا لا أجد غضاضة ولا سوء نية في قولكَ إن كان كريستال ينتمي إلى عالم المرأة، ويلامس شعرية الأشياء. شخصياً تجاوزتُ ثقل الاعتقاد بأن أنوثتنا عار علينا أو انتقاص - أو ما يشبهه – سواء في القصيدة أو في الذهن أو في الشارع.من العسير أن أتكلم عن كتابتي. لا شكَ أنني حين أكتب، أكتب انطلاقاً من ذاتي، من تجربتي، من مفاهيمي الثابتة والمتحولة حول العالم والأشياء
وفي هذه المجموعة أجدني غير مهتمة بالموت والحياة ( كموضوعة )، بل بحالات الموت وبصور الحياة في أصغر الأشياء التي تعبر أمام ناظري وتفعل في روحي .أجدني أصيخ السمع إلى الخريف في حديقة مهجورة، وأشعر بموت الثلج ونومه في الشارع مثلا... أحدس أن هناك روح تحتاج إلينا، إلى يقظتنا، وهذه الروح كامنة في كل مظاهر الكون، بدءا من الخلية البشرية الأولية ووصولاً إلى ابتكارات العلوم الحديثة... فالكوانتية مثلاً استبدلت مفهوم ( الراصد أو المراقب) في التجارب العلمية إلى مفهوم ( المشارك)...وكل ذلك يأتي بطريقة ما إلى القصيدة من خلال روحي ووعيي كإنسان، ( كامرأة في لحمة مع هذا الكون). وأما الأسلوب وكيفية القول فهذا لا خيار لي فيه، وأوافقكَ أن التناقض والمفارقة قائم في كثير من النصوص، ربما لأنها هكذا ديالكتيك الحياة قائم على ( وحدة وصراع الأضداد)! نسابا
أعتقد أنني تحدثتُ في مناسبات أخرى عن هذا الموضوع.النقطة التي ينبغي قولها: التردي أو الضعف الماثل في إبداع النساء، مسحوب أيضا على إبداع الرجال، وعلى الساحة الثقافية برمتها. نسابا
عن إغفال تاريخ النصوص في كريستال المطبوع، أؤكد أنه لا قصدية إطلاقا في ذلك، والذي حصل أنني تنبهتُ لذلك بعد فوات الآوان وأدرجتُ التاريخ في موقعي على الشبكة، السبب، أثناء التحضير للطباعة بعثت نبذة عن سيرتي الذاتية مختصرة لإرفاقها مع المطبوع إلى دار النشر وفيها تنويه أن القصائد كتبت بين ( 1999 – 2002 ) ولكن السيرة اختُصِرت بجملتين عني، فليعذرني القراء. حالياً أقوم بتوثيق تاريخ كل قصيدة جديدة، إن كان ذلك مهماً لتقصي تطور الكتابة مع الزمن. نسابا
علي: أريد أن أعرف وجهة نظرك عن أدب المرأة. أنا أتفق معك في أن نظرك إلى النص، بعد الكتابة هي نظرة الشاعرة مضافاً إليها نظرتك كقارئة، وليس الهدف من حوار مثل هذا هو تعليقك على الكتاب وتفسيره، بل إلقاء الضوء عليه، مثلاً، السؤال الذي يخطر للقاريء، لماذا الاستخدام الأسطوري أو الإشارة إلى شخصيات أسطورية أو توظيفها في النص، عند شاعرة تهتم بتفاصيل الحياة اليومية؟ هل نظرتك إلى الأسطورة تشبه نظرة الشعراء التموزيين مثلاً؟ أنا لا أعتقد ذلك، ولكن كل ذلك من أجل الوصول إلى قراءة جيدة، قراءة منفتحة على إشارات النص، ولا تتنكر للأسئلة التي يثيرها. مثال آخر، لقد تغلغل في حياتنا استخدام الإنترنت والبريد الإليكتروني، وأنا كقاريء، لا أجد نصوصاً أبداعية عربية، إلا ما ندر، تهتم بهذا الموضوع، وأرى أن نصك عن البريد الإليكتروني، مبتكر، و هو علامة على شعر كما سبق يهتم بشعرنة التفاصيل اليومية ويتعامل معها بشكل جريء. نسابا
جاكلين: سأحاول تلخيص وجهة نظري بالقول: أن أدب المرأة نجح في أن يترك بصماته الحميمة والمختلفة والمشاكسة الزاخرة بجمال وعواصف وبوح على وجدان القارئـ(ة) ، وإن كان يؤخذ عليه بعض النقاط التي لو استطاعت الكاتبة تجاوزها لوصلنا إلى إبداع متألق ومن هذه النقاط – كما أرى - : نسابا
أحيانا كثيرة يكون صوت النص تكريساً وتوصيفاً لصوت خارجي، وانعكاساً لتمظهرات الخارج مشروخا عن الداخل ( دواخل الروح – الجسد – الأشياء … ) فيسقط في التسطيح ويخسر المصداقية.
أجد أيضا أن اللهاث وراء الجملة الإنشائية والإبتداع اللفظي والصوري شائع لحد لابأس به، وهذا لا يخلق تجربة شعرية إنما يجعلني أشعر كمن يشاهد فيلماً سريالياً بإخراج فاشل!
هذا الفائض من السرد، أنتج قصيدة ثرثارة .
حول تداخل رموز وأسماء من الأساطير في بعض النصوص : أؤمن بقول أراغون " الأساطير تولد تحت أقدامنا كل يوم " وقصيدتي بأندغامها باليومي لا تنفصل في وجهها الآخر وباطنها عن رغبة التقصي في الماوراء واللامرئي، فتأتي الرموز لخدمة المعنى الذي تسعى له بنية النص، ساعية لخلق أسطورة خاصة بقصيدتي، فتصبح عشتار أمي الشخصية في قصيدة ( حرث ) مثلا : ( أمي عشتار
يخذلها انليل
تعزق مجرى القلب
أخاديد الأوراق
تسيل المزامير
نورا
نارا
يتغلغل في قدر الطين …)
وفي قصيدة( كتابة أولية) يمكن أن يكون أي منكم هو الباحث عن قدره والخلاص
( انحدرتُ صوب غابة
لم يكن هناك مهدٌ
ولا مجوس
ولا امرأة تعمدني باسمها
أنا الصليب
والجلجلة
والطريق .)
وفي دوامة هذا العالم تعرج القصيدة من عالم الأساطير القديمة لتكون شاهداً على عالم حقيقي، أقرب إلى الأسطورة، عالم الموت والقتل المجاني، والحذاء والساطور والدم، فتنجلي فداحة المشهد في قصيدة ( عولمة) التي كتبتها في بداية الانتفاضة في فلسطين، منهكة ألوذ بالورق بحثاً عن مخلص لروحي وعجزها أمام الواقع:
( عاصفةٌ
بريدي الإلكتروني
نقرتُ باب الرسالة الأولى
عصفور تبكي في منقاره قصيدة
مذعورا
نام في عش بين ثديي ….. )
علي: نتفق إذن أن على أدب المرأة لم يعد هامشياً مثل السابق، لأن دورها في الحياة المعاصرة لم يعد هامشياً وغير قابل للتهميش بسهولة، إلى أي مدى، تفترقين عن الكتابة الشعرية النسوية أو تلتقين بهذه الكتابة. وهل وجودك خارج الوطن العربي، كان عائقاً للتواصل مع القاريء العربي، خاصة ونحن نعلم، وفقاً لإحصاءات عديدة، أن المستخدم العربي للإنترنت لا يتجاوز 2% أو %3 من مجموع الناطقين بالعربية؟ وكيف أثّر هذا الوجود في تجربة كريستال عموماً؟
جاكلين: نعم وتتقدم في ميدان الإبداع بطيئاً ولاعتبارات خارجة عن إرادتها أحيانا ومن صنعها أحيانا أخرى.
حين تعي الكاتبة رسالتها وتعتمد على ذاتها وتعلي من شأن نفسها في نظر نفسها أولاً، وتؤمن أيضاً بأن الكتابة، ليست تزجية وقت وهموم شخصية صرفة، حينها ستصل مشرقة ويانعة رغم أنف العالم. نسابا
أين تلتقي كتابتي واين تفترق مع الأخريات؟ لاأدري تماماً ، ولكني أريد الإشارة إلى أن عملية المقارنة بحد ذاتها توقعنا في خطاب ملتبس نوعاً ما، سواء عمدنا لمقارنة إبداع ( س) من الكاتبات ب ( ص ) منهن، أو بوضع خطاب المرأة/ الأنثى مقابل خطاب الرجل/ المذكر، لأنني أفترض أن كل شاعرة أو كاتبة، وكل قصيدة عالم خاص كائن بذاته، لها طقوسه، نوافذها، مفاتيحها، ألوانها ، بنيتها ودلالاتها وشعريتها، وهذه الفردية في جوهر الكتابة، مرتبطة بذاكرة جمعية غير منقطعة عن التاريخ والأسلاف. ولهذا قد نعثر على تناص أو محاور مشتركة بين كاتب في الغرب مثلا وآخر في الشرق....نسابا
أين يقف نصي؟ أعتقد أنه يحاول الاختزال، ويقدم شاعريته بلغة بسيطة خالية من التزويق والرتوش. تجد فيه اللون والرمز والطفولة ...، يتشبث ويستعيد الطفولة، ليس نكوصاً نحو الماضي و لا هرباً من الواقع، بل سعياً نحو المستقبل: ( صباحاتي، مساحات التداخل ما بين الأسود وقلبي وقصيدة لم أكتبها)
قد يصل أحيانا وقد لا يصل ... على سبيل المثال، مقطع من ( صباحات) يقول :
( لستُ مقيمة في المكان
أنني هناك
طفلة في حضن نافذة
تزجرني أمي
ستصابين بالعالم
أمي، الثلج الثلج الثلج أبييييييض !!
انني هنا ونوافذ تحتضنني
أمي الثلج ليس أبيض
جسدي تكورات نبيذية
أسلاك شائكة تجرحني
ولم أسقط
الفضاء يرقصني حديقة أغصانها في كل مكان .).
تجد الدلالات اللونية، تداخل الزمان والمكان، ببراءة ونقيضها.
عن تجربة كريستال والقارئ العربي والانترنيت: عموما الديوان يعتبر طازجاً بعد. وعن وصوله إلى القارئ العربي عبر السوق والمكتبات لا أدري الكثير. بحكم كوني بعيدة جغرافياً، ولأنني أيضاً بدأت مشوار النشر من هنا، من كندا، بعيدة عن أي ارتباط أو معرفة بالمنابر الثقافية أو القائمين عليها. نسابا
نشرتُ بعض قصائد كريستال في الصحافة المطبوعة، ولم تسرني التجربة إطلاقاً وأقولها بشفقة ومقت على هذا الرقيب الجاهل والتابع، وخذ هذه أمثلة: قصيدة كريستال ( 4): نشرت بعد حذف المقطع الرابع وتغيير كلمة فيها _ وبلا استئذان –
قصيدة ( صباحات) : استبدلت فيها كلمة الخمر والنبيذ بكلمة ( ماء) !!! ( عدّ إلى النص المعنون بصباح الخميس)!
حزنت لها جداً، لأنها أبعد أبعد أبعد ما تكون عن جو قصيدة معربدة أو خليعة!!!
قصيدة ( القوس الذي حلمناه) : أشكر الناشر لأنه استأذن أن يقصّقص منها فقرة حوار الطفلة مع الله ...، لتلائم الجريدة، فلم أوافق! نُشِرت بعض القصائد في ( نسابا) وفي ( معابر) سليمة، معافاة. نسابا
نقطة يجدر الإشارة إليها برأيي، إذا كانت نسبة قراء الانترنيت في العالم العربي متدنية كما تشير، فنسبة الذين يقتنون الكتاب المطبوع متدنية أيضا وجداً، ليس لأن القارئ العربي خامل وكسول وبليد، ولا لأن الشعر يسكن برجاً قصياً....بل لأن هناك مفاضلة حقيقية مرعبة بين إطعام الأطفال ودفع الإيجار، أو شراء كتاب وتحديداً الشعر! الحديث موجع جداً، الناس هناك تبيع مكتباتها وأجسادها. والرقيب منشغل بالقصقصة.نسابا
علي: أعتقد أن تجربة الكتاب الأول هي مهمة بالنسبة للكاتب(ة)، وهي تشكّل عموماً، نقطة مفصلية في تطوّره(ا) الشعري، أنا أرى إلى المجموعة، وقد احتوت هذا المفصل، بابتعادها عن الغنائية، وعن محاولة تكريس التكرار، الذي عادة، ما يعمل عليه الكتّاب لتكريس تجاربهم والوصول إلى الصوت الخاص المميّز، ربما أستطيع القول بتحفظ، ابتعادها عن الصورة واقترابها من السرد أكثر، وهذا لا يعني على الإطلاق المباشرة أو الثرثرة. وأود أن أشير إلى أن الماء، وأنا لا أعتقد بالقيمة الرمزية للكلمات خارج السياق، وارتباطه بالأزرق، كما أشرت أنت سابقاً إلى اللون عموماً، قد اختفى، لصالح قصيدة أكثر تماسكاً، وتقترب أكثر من الينابيع العميقة في الروح. ربما هذا السؤال سابق لأوانه، ولكنني أريد به كلمة أخيرة ترتبط بما يشغل جاكلين حالياً، وما تفكّر في انجازه مستقبلاً
جاكلين: تجربة الكتاب الأول بكل وجلها وجنونها وجمالها وعثراتها إن وجدت تضعني على مفترق لا بد منه، نحو خطوة أكثر ثباتاً وتشبثاً بالجميل الممكن، تزيدني تمسكاً بصداقة الحروف والمحبرة، حين يعزّ الأصدقاء وتكبر قامة الجدران ويطمرنا الصقيع والمسافات بين الإنسان والإنسان. نسابا
يشغلني السرد، أو النص المفتوح أحيانا كثيرة، اذ يهبني حرية التقاط وحياكة تفاصيل كثيرة، هروباً من الشكل المسبق الصنع، نشرت بعض هذه النصوص في موقعي تحت باب ( المحبرة انثى ) وهي تجربة مستمرة ، أشتغل عليها باستمرار بين أوراقي
المستقبل! أذهب إليه بأكداس من أقصى الألم والأمل وأرتق له أسمال الحياة وبالقلم على جبهة الورقة البيضاء .
سأكتب إلى المستقبل كثيراً، حتى يأتي، وإذا لم يعثر علينا، فليذهب إلى الجحيم. إليكم وإليه هذه الوشوشة:
الأيام عرجاء،
مفقوءة الروح، ويشهدُ قلبي
ماذا يمكنني أن أفعل!
أصنع من الشِّعر عكازاً لا يشيخ
ينجيني من السقوط ومن السقوط
يأخذني
إلى غدٍ
الغدُ مرتجفٌ في كف عفريتٍ
ماذا أفعل!
أعجن من كلّ أصناف الكلام – قصة شعراً أخباراً سيرة-
تعويذةً
جسراً
وعشقاً
أرمّمُ شيخوخة الحلم،
معبراً يشبكُ ملكوت الغيمة بأنفاس التراب
معبراً يومئ للمستقبل
آمل أُخمِّن وأُقدّرُ
أنّ الملح المتبقي من الكلام
ينقّي عظام المستقبل من الكساح!
عزيزي علي أشكركَ وأشكر نسابا على استضافتي في بيتكم
أجراه : علي مزهر
2003 كانون االثاني 2 نسابا-
اجراه الشاعر العراقي المقيم في امريكا علي مزهر، ومحرر موقع (نسابا) الذي توقف لاحقا
نشر الحوار في الموقع في كانون الثاني عام 2003
نسابا تحاور الشاعرة جاكلين سلام: سأذهب إلى المستقبل بأكداس من أقصى الألم حوار
علي:هذا اللقاء سيتطرق إلى مسائل عديدة تتمحور حول مجموعة جاكلين سلام الشعرية " كريستال" وهي كتابها الشعري الأول الصادر عن دار الكنوز الأدبية عام 2002، وهذه المسائل ستشمل الكتابة الشعرية عموماً، والنسوية خصوصاً، وكذلك عن موقع الشعر في ثقافة اليوم وتأثير الإنترنت والنشر الإلكتروني على الشعر وقضايا مهمة أخرى تتعلق بالاستجابة النقدية لعمل المرأة العربية واللغة والمنفى.عزيزتي جاكلين، سأبدأ من البداية، من لحظة العنوان، التي تسبق اقتحام الكتاب ، هذه اللحظة التي تشكل مقدمة عقد القراءة بيني وبين الكتاب. كريستال يوحي إليّ بالصلابة والهشاشة، بالشفافية والكثافة الناتجة عن تعدد السطوح والنقوش، إنه يحمل تناقضاً لا أستطيع التغاضي عنه، هذا التناقض يوجّه القراءة وجهةً غير متوقعة. كيف لعب التناقض دوراً في إنتاج العنوان؟ وإلى أي حد يقيم صلته بالمجموعة؟
جاكلين: يمكنني القول أنه ومن خلال هذا الكريستال، الكلمة المفردة( المعجمية) وبنية النص، الشظية وريشة الحمامة، الوردة ولون الدم وجدتني أحاول تأثيث بيت للروح، يهجع إليه حلمي الشّعري، كلما أغدقني الفضاء بغث أو سمين. كريستال بجزئه وكله ينغرز فيّ، في رحم الحياة والوجود، محملا بنا وبتناقضاتنا، قبحنا وجمالنا. أعتقد أن للعنوان كريستال صلة حميمة مع نصوص المجموعة وعساني وفقتُ في أختيار العنوان، ( كريستال) هكذا عارياً من كل صفة أو إضافة ويتناقض مع مفهوم التحف الكريستالية التي تزين أركان البيوت الفارهة. إن استطاع كريستال_ النص_ حقاً أن يأخذ القارئ ( وجهة غير متوقعة) فهو المطلوب من الشعر.أورد فقرة من كريستال
( ظبية تلد أحلامها خارج القفص
لا أرض تُجهِضُ عليها أبجدية الأقفاص)
وخروجا عن السؤال، أهمس إليكم بشيء يخص عناوين الكتب: عندما كنت صغيرة، لم يكن في بيتنا مكتبة، كنتُ أذهب إلى مكتبة المركز الثقافي في المدينة( المالكية)، ولم يكن لدي أي دليل يرشدني أو يقترح علي اسم كاتب أو كتاب، فكنت أفتش الرفوف وأختار استعارة الكتاب حسب العنوان الذي يروق لي! وفي البيت أراني إما أركض بين سطوره حتى أنهيه، أو أضجر منه من البداية وأرميه جانياً. عندما صدر كريستال بعثتُ نسخة منه( إهداء) إلى تلك المكتبة التي أجلّها.نسابا
علي:أنا لم يخطر في بالي كريستال بوصفه تحفة أو قطعة أثاث، مع أن هذا وارد، وهو بقدر ما ينتمي إلى ما يسمّى بشعرية الأشياء ينتمي إلى عالم المرأة أيضاً، هل تعتقدين أن هذه القراءة خاطئة، أو سيئة النية مثلاً لو اقترحتها في البدء؟ من هنا أود لو تتحدثين قليلاُ عما يميّز الكتابة النسوية، عندك خاصة، والحاقاً بالسؤال الأول أرى أنك تعتمدين شعرية التناقض والمفارقة، وخاصة في القصائد الأربعة التي حملت عنوان كريستال، في تحقيق الأثر الشعري ولأورد مثلاً
(أم
يتدفق حليبها
إذا داعبها الهواء
طفلها جائع منذ الأزل).
لا يتبع هذا الأسلوب نمطاً ثابتاً ولكنه يتكرر بشكل لافت.
نصوص المجموعة أغفلت في إرشادنا إلى تأريخ تدوينها، هل ثمة سبب لذلك، هل تم هذا عن قصدية؟
جاكلين: حين يخرج النص من يدي وإلى القارئ أو الناقد، تتبدل المواقع وأصبح أنا في موقع المتلقي أو المستمع لما يدور ويجول في النص وحوله، في عيون وروح الآخر. ومن هنا لا أجد غضاضة ولا سوء نية في قولكَ إن كان كريستال ينتمي إلى عالم المرأة، ويلامس شعرية الأشياء. شخصياً تجاوزتُ ثقل الاعتقاد بأن أنوثتنا عار علينا أو انتقاص - أو ما يشبهه – سواء في القصيدة أو في الذهن أو في الشارع.من العسير أن أتكلم عن كتابتي. لا شكَ أنني حين أكتب، أكتب انطلاقاً من ذاتي، من تجربتي، من مفاهيمي الثابتة والمتحولة حول العالم والأشياء
وفي هذه المجموعة أجدني غير مهتمة بالموت والحياة ( كموضوعة )، بل بحالات الموت وبصور الحياة في أصغر الأشياء التي تعبر أمام ناظري وتفعل في روحي .أجدني أصيخ السمع إلى الخريف في حديقة مهجورة، وأشعر بموت الثلج ونومه في الشارع مثلا... أحدس أن هناك روح تحتاج إلينا، إلى يقظتنا، وهذه الروح كامنة في كل مظاهر الكون، بدءا من الخلية البشرية الأولية ووصولاً إلى ابتكارات العلوم الحديثة... فالكوانتية مثلاً استبدلت مفهوم ( الراصد أو المراقب) في التجارب العلمية إلى مفهوم ( المشارك)...وكل ذلك يأتي بطريقة ما إلى القصيدة من خلال روحي ووعيي كإنسان، ( كامرأة في لحمة مع هذا الكون). وأما الأسلوب وكيفية القول فهذا لا خيار لي فيه، وأوافقكَ أن التناقض والمفارقة قائم في كثير من النصوص، ربما لأنها هكذا ديالكتيك الحياة قائم على ( وحدة وصراع الأضداد)! نسابا
أعتقد أنني تحدثتُ في مناسبات أخرى عن هذا الموضوع.النقطة التي ينبغي قولها: التردي أو الضعف الماثل في إبداع النساء، مسحوب أيضا على إبداع الرجال، وعلى الساحة الثقافية برمتها. نسابا
عن إغفال تاريخ النصوص في كريستال المطبوع، أؤكد أنه لا قصدية إطلاقا في ذلك، والذي حصل أنني تنبهتُ لذلك بعد فوات الآوان وأدرجتُ التاريخ في موقعي على الشبكة، السبب، أثناء التحضير للطباعة بعثت نبذة عن سيرتي الذاتية مختصرة لإرفاقها مع المطبوع إلى دار النشر وفيها تنويه أن القصائد كتبت بين ( 1999 – 2002 ) ولكن السيرة اختُصِرت بجملتين عني، فليعذرني القراء. حالياً أقوم بتوثيق تاريخ كل قصيدة جديدة، إن كان ذلك مهماً لتقصي تطور الكتابة مع الزمن. نسابا
علي: أريد أن أعرف وجهة نظرك عن أدب المرأة. أنا أتفق معك في أن نظرك إلى النص، بعد الكتابة هي نظرة الشاعرة مضافاً إليها نظرتك كقارئة، وليس الهدف من حوار مثل هذا هو تعليقك على الكتاب وتفسيره، بل إلقاء الضوء عليه، مثلاً، السؤال الذي يخطر للقاريء، لماذا الاستخدام الأسطوري أو الإشارة إلى شخصيات أسطورية أو توظيفها في النص، عند شاعرة تهتم بتفاصيل الحياة اليومية؟ هل نظرتك إلى الأسطورة تشبه نظرة الشعراء التموزيين مثلاً؟ أنا لا أعتقد ذلك، ولكن كل ذلك من أجل الوصول إلى قراءة جيدة، قراءة منفتحة على إشارات النص، ولا تتنكر للأسئلة التي يثيرها. مثال آخر، لقد تغلغل في حياتنا استخدام الإنترنت والبريد الإليكتروني، وأنا كقاريء، لا أجد نصوصاً أبداعية عربية، إلا ما ندر، تهتم بهذا الموضوع، وأرى أن نصك عن البريد الإليكتروني، مبتكر، و هو علامة على شعر كما سبق يهتم بشعرنة التفاصيل اليومية ويتعامل معها بشكل جريء. نسابا
جاكلين: سأحاول تلخيص وجهة نظري بالقول: أن أدب المرأة نجح في أن يترك بصماته الحميمة والمختلفة والمشاكسة الزاخرة بجمال وعواصف وبوح على وجدان القارئـ(ة) ، وإن كان يؤخذ عليه بعض النقاط التي لو استطاعت الكاتبة تجاوزها لوصلنا إلى إبداع متألق ومن هذه النقاط – كما أرى - : نسابا
أحيانا كثيرة يكون صوت النص تكريساً وتوصيفاً لصوت خارجي، وانعكاساً لتمظهرات الخارج مشروخا عن الداخل ( دواخل الروح – الجسد – الأشياء … ) فيسقط في التسطيح ويخسر المصداقية.
أجد أيضا أن اللهاث وراء الجملة الإنشائية والإبتداع اللفظي والصوري شائع لحد لابأس به، وهذا لا يخلق تجربة شعرية إنما يجعلني أشعر كمن يشاهد فيلماً سريالياً بإخراج فاشل!
هذا الفائض من السرد، أنتج قصيدة ثرثارة .
حول تداخل رموز وأسماء من الأساطير في بعض النصوص : أؤمن بقول أراغون " الأساطير تولد تحت أقدامنا كل يوم " وقصيدتي بأندغامها باليومي لا تنفصل في وجهها الآخر وباطنها عن رغبة التقصي في الماوراء واللامرئي، فتأتي الرموز لخدمة المعنى الذي تسعى له بنية النص، ساعية لخلق أسطورة خاصة بقصيدتي، فتصبح عشتار أمي الشخصية في قصيدة ( حرث ) مثلا : ( أمي عشتار
يخذلها انليل
تعزق مجرى القلب
أخاديد الأوراق
تسيل المزامير
نورا
نارا
يتغلغل في قدر الطين …)
وفي قصيدة( كتابة أولية) يمكن أن يكون أي منكم هو الباحث عن قدره والخلاص
( انحدرتُ صوب غابة
لم يكن هناك مهدٌ
ولا مجوس
ولا امرأة تعمدني باسمها
أنا الصليب
والجلجلة
والطريق .)
وفي دوامة هذا العالم تعرج القصيدة من عالم الأساطير القديمة لتكون شاهداً على عالم حقيقي، أقرب إلى الأسطورة، عالم الموت والقتل المجاني، والحذاء والساطور والدم، فتنجلي فداحة المشهد في قصيدة ( عولمة) التي كتبتها في بداية الانتفاضة في فلسطين، منهكة ألوذ بالورق بحثاً عن مخلص لروحي وعجزها أمام الواقع:
( عاصفةٌ
بريدي الإلكتروني
نقرتُ باب الرسالة الأولى
عصفور تبكي في منقاره قصيدة
مذعورا
نام في عش بين ثديي ….. )
علي: نتفق إذن أن على أدب المرأة لم يعد هامشياً مثل السابق، لأن دورها في الحياة المعاصرة لم يعد هامشياً وغير قابل للتهميش بسهولة، إلى أي مدى، تفترقين عن الكتابة الشعرية النسوية أو تلتقين بهذه الكتابة. وهل وجودك خارج الوطن العربي، كان عائقاً للتواصل مع القاريء العربي، خاصة ونحن نعلم، وفقاً لإحصاءات عديدة، أن المستخدم العربي للإنترنت لا يتجاوز 2% أو %3 من مجموع الناطقين بالعربية؟ وكيف أثّر هذا الوجود في تجربة كريستال عموماً؟
جاكلين: نعم وتتقدم في ميدان الإبداع بطيئاً ولاعتبارات خارجة عن إرادتها أحيانا ومن صنعها أحيانا أخرى.
حين تعي الكاتبة رسالتها وتعتمد على ذاتها وتعلي من شأن نفسها في نظر نفسها أولاً، وتؤمن أيضاً بأن الكتابة، ليست تزجية وقت وهموم شخصية صرفة، حينها ستصل مشرقة ويانعة رغم أنف العالم. نسابا
أين تلتقي كتابتي واين تفترق مع الأخريات؟ لاأدري تماماً ، ولكني أريد الإشارة إلى أن عملية المقارنة بحد ذاتها توقعنا في خطاب ملتبس نوعاً ما، سواء عمدنا لمقارنة إبداع ( س) من الكاتبات ب ( ص ) منهن، أو بوضع خطاب المرأة/ الأنثى مقابل خطاب الرجل/ المذكر، لأنني أفترض أن كل شاعرة أو كاتبة، وكل قصيدة عالم خاص كائن بذاته، لها طقوسه، نوافذها، مفاتيحها، ألوانها ، بنيتها ودلالاتها وشعريتها، وهذه الفردية في جوهر الكتابة، مرتبطة بذاكرة جمعية غير منقطعة عن التاريخ والأسلاف. ولهذا قد نعثر على تناص أو محاور مشتركة بين كاتب في الغرب مثلا وآخر في الشرق....نسابا
أين يقف نصي؟ أعتقد أنه يحاول الاختزال، ويقدم شاعريته بلغة بسيطة خالية من التزويق والرتوش. تجد فيه اللون والرمز والطفولة ...، يتشبث ويستعيد الطفولة، ليس نكوصاً نحو الماضي و لا هرباً من الواقع، بل سعياً نحو المستقبل: ( صباحاتي، مساحات التداخل ما بين الأسود وقلبي وقصيدة لم أكتبها)
قد يصل أحيانا وقد لا يصل ... على سبيل المثال، مقطع من ( صباحات) يقول :
( لستُ مقيمة في المكان
أنني هناك
طفلة في حضن نافذة
تزجرني أمي
ستصابين بالعالم
أمي، الثلج الثلج الثلج أبييييييض !!
انني هنا ونوافذ تحتضنني
أمي الثلج ليس أبيض
جسدي تكورات نبيذية
أسلاك شائكة تجرحني
ولم أسقط
الفضاء يرقصني حديقة أغصانها في كل مكان .).
تجد الدلالات اللونية، تداخل الزمان والمكان، ببراءة ونقيضها.
عن تجربة كريستال والقارئ العربي والانترنيت: عموما الديوان يعتبر طازجاً بعد. وعن وصوله إلى القارئ العربي عبر السوق والمكتبات لا أدري الكثير. بحكم كوني بعيدة جغرافياً، ولأنني أيضاً بدأت مشوار النشر من هنا، من كندا، بعيدة عن أي ارتباط أو معرفة بالمنابر الثقافية أو القائمين عليها. نسابا
نشرتُ بعض قصائد كريستال في الصحافة المطبوعة، ولم تسرني التجربة إطلاقاً وأقولها بشفقة ومقت على هذا الرقيب الجاهل والتابع، وخذ هذه أمثلة: قصيدة كريستال ( 4): نشرت بعد حذف المقطع الرابع وتغيير كلمة فيها _ وبلا استئذان –
قصيدة ( صباحات) : استبدلت فيها كلمة الخمر والنبيذ بكلمة ( ماء) !!! ( عدّ إلى النص المعنون بصباح الخميس)!
حزنت لها جداً، لأنها أبعد أبعد أبعد ما تكون عن جو قصيدة معربدة أو خليعة!!!
قصيدة ( القوس الذي حلمناه) : أشكر الناشر لأنه استأذن أن يقصّقص منها فقرة حوار الطفلة مع الله ...، لتلائم الجريدة، فلم أوافق! نُشِرت بعض القصائد في ( نسابا) وفي ( معابر) سليمة، معافاة. نسابا
نقطة يجدر الإشارة إليها برأيي، إذا كانت نسبة قراء الانترنيت في العالم العربي متدنية كما تشير، فنسبة الذين يقتنون الكتاب المطبوع متدنية أيضا وجداً، ليس لأن القارئ العربي خامل وكسول وبليد، ولا لأن الشعر يسكن برجاً قصياً....بل لأن هناك مفاضلة حقيقية مرعبة بين إطعام الأطفال ودفع الإيجار، أو شراء كتاب وتحديداً الشعر! الحديث موجع جداً، الناس هناك تبيع مكتباتها وأجسادها. والرقيب منشغل بالقصقصة.نسابا
علي: أعتقد أن تجربة الكتاب الأول هي مهمة بالنسبة للكاتب(ة)، وهي تشكّل عموماً، نقطة مفصلية في تطوّره(ا) الشعري، أنا أرى إلى المجموعة، وقد احتوت هذا المفصل، بابتعادها عن الغنائية، وعن محاولة تكريس التكرار، الذي عادة، ما يعمل عليه الكتّاب لتكريس تجاربهم والوصول إلى الصوت الخاص المميّز، ربما أستطيع القول بتحفظ، ابتعادها عن الصورة واقترابها من السرد أكثر، وهذا لا يعني على الإطلاق المباشرة أو الثرثرة. وأود أن أشير إلى أن الماء، وأنا لا أعتقد بالقيمة الرمزية للكلمات خارج السياق، وارتباطه بالأزرق، كما أشرت أنت سابقاً إلى اللون عموماً، قد اختفى، لصالح قصيدة أكثر تماسكاً، وتقترب أكثر من الينابيع العميقة في الروح. ربما هذا السؤال سابق لأوانه، ولكنني أريد به كلمة أخيرة ترتبط بما يشغل جاكلين حالياً، وما تفكّر في انجازه مستقبلاً
جاكلين: تجربة الكتاب الأول بكل وجلها وجنونها وجمالها وعثراتها إن وجدت تضعني على مفترق لا بد منه، نحو خطوة أكثر ثباتاً وتشبثاً بالجميل الممكن، تزيدني تمسكاً بصداقة الحروف والمحبرة، حين يعزّ الأصدقاء وتكبر قامة الجدران ويطمرنا الصقيع والمسافات بين الإنسان والإنسان. نسابا
يشغلني السرد، أو النص المفتوح أحيانا كثيرة، اذ يهبني حرية التقاط وحياكة تفاصيل كثيرة، هروباً من الشكل المسبق الصنع، نشرت بعض هذه النصوص في موقعي تحت باب ( المحبرة انثى ) وهي تجربة مستمرة ، أشتغل عليها باستمرار بين أوراقي
المستقبل! أذهب إليه بأكداس من أقصى الألم والأمل وأرتق له أسمال الحياة وبالقلم على جبهة الورقة البيضاء .
سأكتب إلى المستقبل كثيراً، حتى يأتي، وإذا لم يعثر علينا، فليذهب إلى الجحيم. إليكم وإليه هذه الوشوشة:
الأيام عرجاء،
مفقوءة الروح، ويشهدُ قلبي
ماذا يمكنني أن أفعل!
أصنع من الشِّعر عكازاً لا يشيخ
ينجيني من السقوط ومن السقوط
يأخذني
إلى غدٍ
الغدُ مرتجفٌ في كف عفريتٍ
ماذا أفعل!
أعجن من كلّ أصناف الكلام – قصة شعراً أخباراً سيرة-
تعويذةً
جسراً
وعشقاً
أرمّمُ شيخوخة الحلم،
معبراً يشبكُ ملكوت الغيمة بأنفاس التراب
معبراً يومئ للمستقبل
آمل أُخمِّن وأُقدّرُ
أنّ الملح المتبقي من الكلام
ينقّي عظام المستقبل من الكساح!
عزيزي علي أشكركَ وأشكر نسابا على استضافتي في بيتكم
أجراه : علي مزهر
2003 كانون االثاني 2 نسابا-
تعليقات