الرواية السوداء وجوائز عام 2009 ....
06/01/2010
العدد
-صحيفة السفير 11486
الرواية السوداء تفوز بجوائز مرموقة عام 2009 وتحظى باهتمام القارئ والناقد الأبيض كنـدا تقـرأ «كتـاب الزنـوج» وفرنسـا تقـرأ «ثـلاث نسـاء قديـرات»
جاكلين سلام
كندا لم تنتخب رئيساً أسود هذا العام لكنها احتفت بعدد من الكتاب السود ومنحتهم جوائزها المرموقة ومواقع بارزة في الساحة الإبداعية. لكأن عام 2009 قد حقق انزياحاً عالمياً كبيراً لصالح العرق الأسود ليس على صعيد السياسة بل الأدب أيضاً، وإن جاز القول فهوعام انتصار الرواية السوداء في العالم الأبيض والملون. في مقالة كتبناها منذ نشرت منذ سنوات عن جدوى النقد الأسود وخصوصيته كانت تشتكي محررة الكتاب»دونا بيللي نيرس» المختصة بنقد الروائيين والكتّاب السود وتحرير انطولوجيات عن أعمالهم من انصراف الناقد الأبيض وأحياناً القارئ الأسود أعن الاهتمام بما يكتبه السود. تقول نيرس في كتاب نقدي «نجد أن الأدب الأسود يحظى بمكانة عالمية ويجذب القارئ بقوة. ولكن من الواضح هنا أن الناقد الأبيض هو الذي يعّرف ويثمن كتاباتنا. لذلك فقدنا المقدرة على التحكم بمجريات الحوار. وأحياناً يصدف أن القارئ الأسود يعزل نفسه عن الكتّاب السود، متنكراً لطروحاتهم وابداعاتهم... من الأهمية بمكان أن نحفز جميع الكتاب والكاتبات للمثابرة في عملهن وبقوة. إنها «الحكاية» على مر الزمن التي تعيد الأمور إلى نصابها، وتعلمنا كيف نحبّ أنفسنا» هذا ما قيل نقدياً وهذه لم تكن فكرة عابرة بل البحث عن الأدب الأسود وكتابه سيقودنا الى مواقع وحملات مخصصة لاستقطاب القارئ وتوجيهه نحو كتابات السود. وجدت بعد البحث موقعاً يعرض قمصاناً وحقائب مكتوب عليها «أنا أحب الكاتب الأسود» مواقع أخرى تفتح صفحة بعنوان»القارئ الأبيض يحب الكاتب الأسود» وكأن هذه الوسائل والأفكار ولدت من حاجة للتواصل، ومن شعور الأسود بالتهميش واللاعدالة، ناشراً أو كاتباً لا يأخذ حقه من القراءة نقدياً وجمالياً وانتشاراً. اليوم اختلف الحال كثيراً والمتتبّع للجوائز العالمية الكبرى لهذا العام سيجد أن «غونكور الفرنسية» ذهبت إلى رواية «ثلاث نساء قديرات» سوداوت من إبداع الكاتبة الفرنسية - السنغالية الأب ماري نداي. وقد تمت تغطية الخبر وتفاصيل الرواية وما أثارته الكاتبة من سجال في الصحافة الفرنسية. أما في كندا فقد كان عام الرواية السوداء بامتياز إذ اختيرت رواية «كتاب الزنوج» رواية عام 2009 لتقرأها كندا من المحيط إلى المحيط، للكاتب الكندي المرموق لورانس هيل المنحدر من عائلة هجينة، أم بيضاء وأب أسود. وكذلك ذهبت «جائزة تورنتو للكتاب» عام 2009 للكاتب االكندي الأسود - مواليد ترينداد والمقيم في تورنتو - أوستن كلارك عن روايته التي حملت عنوان» أكثر» والتي تم اختيارها للجائزة بالمنافسة مع 75 كتاباً متقدما للمشاركة في دورتها الـ35 والتي تواكب الذكرى 175 لتأسيس مدينة تورنتو التي انتقلت من كونها تجمعاً صغيراً لتصبح أكبر مدن كندا سكاناً وجغرافية وأكثر المدن نشاطاً من الناحية الإبداعية والاقتصادية والسياسية. ولتصبح أيضاً إحدى أكبر المدن في شمال الاميركي بخليطها السكاني والأثني المتنوع الذي يصل عدده الى 2,6 مليون نسمة. وهذه المسابقة الدورية يتم تحكيمها من قبل لجنة أدبية مرموقة وتضم إصدارات في الأدب التخيلي والشعري والكتابة السير - ذاتية والدراسات التي تكون مدينة تورنتو محورها. أوستن كلارك ورواية «أكثر» الفائزة بمسابقة كتاب تورنتو عام 2009 رواية «أكثر» لأوستن كلارك وفق ما جاء في الصحافة اليومية في تورنتو «انها رواية عن التسلط، الإنهيار والأمل» وذلك من خلال حياة امرأة سوداء مهاجرة إلى تورنتو، تعيش في عزلة وفقر وعلى هامش المجتمع مع ابنها المراهق بعد أن تركها زوجها وحيدة تواجه قدرها في البلد الجديد، فيما أختار هو أن يذهب للعيش في أميركا بحثاً عن حياة أفضل. الأم تسقط في أرض شقتها وحيدة حين يصلها خبر تورط ابنها الوحيد في معصابات الجريمة والعنف في تورنتو. في أيام معدودة وهي مرمية في أرض بيتها إثر سماع الخبر تمتد أحداث الرواية على لسان الشخصية الأساسية «اليونا» السوداء الفقيرة والتي تجد طريقها إلى النور بقوة عزيمتها وتصميمها على البداية من جديد. رغم كونها رواية متخيلة لكنها تجد مرادفات لها في الواقع. ويشار إلى أن هذه الرواية تحمل رسالتها» السياسية» كما في أغلب أعمال كلارك صاحب التوجه اليساري والناشط في مجال حقوق الإنسان، يذكر أن الروائي يعد من آباء الأدب الأفريقي - الكندي، نشر كتابه الأول في الخمسينيات وحاز على جائزة الكومنولولث الدولية عام 2003 وجائزة «غيللر» الكندية عام 2002. وهو بهذا لا يحيد عن مواطنه «لورانس هيل» الروائي الذي فازت روايته «كتاب الزنوج» بمسابقة «كندا تقرأ عام 2009»، لورانس هيل له حضوره المرموق في الساحة الكندي ويقيم قريباً من تورنتو. ينحدر من أسرة مختلطة وعرف عن والديه أيضاً انشغالهما بالدفاع عن الإنسان وحرية التعبير وحقوق السود في المجتمع الأميركي وكندا. لورانس هيل يتناول في أدبه وكتبه مسائل تاريخية واجتماعية وسياسية. ولم يحد الابن عن قضية والديه الأساسية، فنجد لديه مقالات تنتقد الرقابة في كندا حين تحجب بعض العناوين والكتب التي لا تروق لجهة ما - نذكركتاب 3 أمنيات لأطفال من فلسطين واسرائيل طالب الكونغرس اليهودي بسحيه من المكتبات - كما أنه يوجه نقده إلى فكرة سارية في الوسط الكندي يتم بموجبها توجيه الإصبع نحو اميركا بمجرد الكلام عن العبودية، في صمت عن ان هذه الممارسات حدثت في كندا أيضاً حين هاجر اليها بعض السود هربا من الظلم في اميركا وبريطانيا. وكما يجد أن كندا لم تكن أرض الحلم والمساواة والتكافؤ في البداية. كما أنه يطالب بتدريس الأدب الذي يكتبه السود الكندويون في مدارس كندا، بدلا من الاقتصار على دراسة ما كتب عن التفرقة والاضطهاد في اميركا وحسب، كرواية «لا تقتل الطائر الساخر» الشهيرة بتناولها لموضوع العنصرية والعنف ضد السود. كتاب الزنوج ومسابقة كندا تقرأ عام 2009 مسابقة يتم بموجبها تكليف عدد من النقاد والكتّاب الكنديين والمنشغلين بالنهم للقراءة، اختيار مجموعة من الروايات الكندية الانكليزية او المترجمة إلى الانكليزية، ليصار إلى اختيار الكتاب الفائز. لا يشترط في هذه المسابقة أن يكون الكتاب اصداراً حديثاً. أما كيفية الوصول إلى الكتاب الفائز بالمسابقة، فتتم من خلال نقاش مفتوح عبر اذاعة راديو كندا الوطني» سي بي سي» على عشر حلقات وهذه نقطة قوية تسجل لصالح المنافسة إذ يقوم كل ناقد بتقديم مبررات القوة التي يحكم بموجبها على نجاح الرواية التي يختار الدفاع عنها. أحياناً يتخلى الناقد عن خياره لصالح رواية أخرى تحظى باجماع ومنافسة. هذا امتياز ثقافي نقدي لا نجد له شبيهاً في مجريات تحكيم جوائز الرواية العربية. «كتاب الزنوج» كتاب ضخم يقارب 500 صفحة صدر في كندا عام 2007، وحاز على اهتمام نقدي متميز ، كما أنه صدر في اميركا واستراليا ونيوزيلانده، وحقق مبيعات عالية لكنه حمل عنوانا آخر «أحد ما يعرف اسمي» ويقول الكاتب في حوار اذاعي أن الناشر في اميركا لم يوافق على عنوان» كتاب الزنوج» لما يثيره من حساسية لدى الجميع. يصرح أيضاً أن بعض القراء السود في كندا سجلوا اعتراضهم الشديد على العنوان. ويذكر أن العنوان يعود أساساً إلى كتاب وثائقي يؤرخ لأسماء السود واعمارهم وتاريخ هجراتهم إلى اميركا ومنه باتجاه كندا. الكتاب محفوظ في أرشيف مكتبات في اميركا وكندا. الكاتب استخدم أسماء وأحداث حقيقية من الكتاب وأسبغ عليها حوادث متخيلة جعلت من الكتابة تحفة أدبية بالغة القيمة جمالياً وفنياً وانسانيا ً- كما يشير النقاد. وإثر هذه المسابقة حقق الكتاب مادياً أعلى المبيعات، ومن ناحية أخرى تحقق للروائي أقصى ما يحلم به، إذ تم شراء حقوق إخراجه فيلما سينمائيا من قبل مخرج كندي أسود سيعمل على إخراج الفيلم والبحث عن ممثلة سوداء تقوم بدور بطلة الرواية - أميناتا... الكاتب أعطى للشخصية اسم ابنته الحقيقية وكتب الرواية حين كانت ابنته في مثل عمر الراوية. يقول إنه تألم حين كتب الصفحات المئة الأولى التي كانت بطلتها في عمر ابنته. أما الناقد الذي اختار هذا الكتاب للدخول في مسابقة كندا تقرأ عام 2009 فهو الصحافي «آفي لويس» الذي يعمل حالياً في تلفزيون» الجزيرة - القناة الانكليزية». لورانس هيل يقّلب في كتب التاريخ كما فعلت من قبله توني موريسون وآخرين ليرسم حدثاً وقصصاً يتم سردها على لسان بطلة الرواية «اميناتا ديالو» القصة تسرد على هذه الشخصية التي تم خطفها من حضن والديها حين كان عمرها 11 سنة وبيعها كعبدة للابحار بها إلى كاليفورنيا الجنوبية في رحلة شاقة عام 1745 وهناك ثانية تباع لعائلة تعمل في نيويورك... لكن أميناتا لا تفقد الاصرار والامل بالعودة إلى ( سيراليون، موطنها الأول) ويتم لها ذلك بعد أن تجد نفسها في خضم حروب وحوادث تاريخية مهمة. هذا عن الروايات الحائزة على جوائز وبالطبع هناك إصدارات قيمة لم يحالفها الحظ لكنها لا تقل أهمية عن الكتب الفائزة. وسبقتها الى المد أعمال كتاب كبار أمثال وول سوينكا، نادين غورديمير، توني موريسون، اليس وولكر، مايا أنجلو... وآخرون كانت اسماؤهم على القوائم القصيرة والطويلة لجوائز لها تاريخ مثل: بوكر الانكليزية، وجائزة أورانج أمثال الكاتبة السوداء النيجيرية المقيمة في اميركا «جيماماندا أديشي» صاحبة رواية «نصف شمس صفراء» الصادرة 2008 والتي كتبت عنها كبريات الصحف كـ«الاندبندنت، الاوبزيرفر، ناشيونال بوست، نيويورك تايمز...» هذه الأسماء ليس إلا عينة تشجع القارئ العربي للبحث عن هذه الكتب للاستفادة من جديد روياات العالم أو لترجمتها. ديون براند تشغل منصب كبيرة شعراء تورنتو المكانة المرموقة للكاتب الأسود في كندا لم تقتصر على عالم الرواية، بل الشعر أيضاً. إذ تم مؤخرا تتويج الشاعرة والروائية الكندية السوداء ديون براند لتسلم منصب كبيرة شعراء تورنتو وتكون بذلك أول امرأة سوداء في هذا المقام التشريفي الذي شغله في دورة سابقة الشاعر الكندي الايطالي المولد بيير جورجيو دي سيكو. تسلمت المنصب تقديراً لنتاجها الأدبي الغني. وذلك تكريماً واحتفاء بصوتها وحضورها الذي تكلل بعدة روايات فازت بجوائز «غفرنر جنرال اوردز» في كندا، ولها تسع مجموعات شعرية وكتب وثائقية وناشطة في ميدان انسانية اجتماعية ونسوية. مدة الخدمة في هذا المركز 3 سنوات يقوم الشاعر خلالها بالترويج للشعر وجمالياته، وذلك بتشجيع واكتشاف الكتاب المحليين وإقامة نشاطات ومحاضرات تعيد الشعر إلى جمهوره وتعلي من القيم الجمالية ودور الكلمة في حياة الفرد والمجتمع. يذكر أن ديون من مواليد «ترينيداد» ومهاجرة إلى تورنتو منذ سنوات طويلة.
(كاتبة سورية تعيش في كندا)
تعليقات