إشكال النقد الأسود في المجتمع الألبيض
إشكال النقد الأسود في المجتمع الأبيض الحكاية تعيد الأمور إلى نصابها وتجعلنا نحبّ
أنفسنا
الوقت- كندا – جاكلين سلام:
الوقت- كندا – جاكلين سلام:
ماذا على النقد الأسود أن يفعل؟ سؤال إشكالي تعالجته الكاتبة والناقدة الكندية السوداء دونا بيلي نيرس في مقالاتها الحاضرة في صحف يومية كندية عدة مثل ‘’غلوب اند ميل، تورنتو ستار، غيزيت’’ . في الإصدار الموسوعي تحت عنوان ‘’ماذا على النقد الأسود أن يفعل؟’’ الصادر العام ,2003 في تورنتو، كندا في 208 صفحات من القطع الكبير. تقدّم الكاتبة أجوبة حيّة على لسان المبدعين ومن خلال تجاربهم التي تخبرنا كثيراً عبر هذه الأنطولوجيا المتنوعة والغنية التي تقدمها للقارئ الفضولي والمختص من العرق الأسود والأبيض والملون، وذلك للخلوص إلى ماهية هذا الإبداع وعمق العلاقة الإشكالية ما بين الثقافة والعنصرية والعرقية في مجتمعنا الحديث. تسلط الأضواء على فكرة’’ التعددية الثقافية’’ وهل استطاعت أن تحل الإشكال التاريخي القديم القائم على التفضيل والنبذ وفقاً للون والدين والعرق والطبقات، والتي ماتزال حاضرة بصور شتى. الكتاب يشكل خلاصة وإضاءة قد يفاجأ بها القارئ حين يبحر بين السطور، أو تصدمه اعترافات الكتاب والروائيين السود عن تجاربهم(هن) في معرض الحوار مع كتّاب معروفين أو من خلال مراجعة كتبهم، سواء في الرواية أو القصة أو المقال.لقد خصصت الكاتبة محوراً رئيساً للحوار مع عدد من كتاب كندا وأميركا السود، النساء والرجال والذين يمكن تصنيفهم بـ ‘’الثوريين’’ في بعض الحالات، وذلك لما أضافوه من كتابات مهمة ومتمردة تنبع من واقع السود، وتتمرد عليه أيضاً. أوراق الكتاب محصلة تجربة ومعايشة يومية غنية ومراجعة تاريخية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الحوارات مع ‘’ديون براند، أليس وولكر، توني موريسون، نالو هوبكنز..’’ بعضهم حاصل على جائزة بوليتز، ونوبل، وجوائز كندية أدبية قيمة، كما لهم حضور اجتماعي فاعل، كمثل ديون براند – الكندية من أصل كاريبي التي لها إسهاماتها في الحركة النسوية والقضايا الاجتماعية والسياسة.تشير نيرس في مقدمة الكتاب إلى ضرورة هذا الطرح فتقول: إن هذا الكتاب، يكفيه أن يشدّ انتباه الأساتذة الإنجليز، وغير المتساهلين مع هذا التصنيف من النقد، وربما يساعد على دفع الصحافيين إلى التفكير في جوانب أخرى وعميقة يطرحها الإبداع الذي يكتب بأقلام السود.الفصل الأول:نبذة عن حياة الكتاب وإبداعهمتستهل الكاتبة الصفحات المئة الأولى من الكتاب لتقديم لمحات عن حياة وإبداع عدد من كتاب كندا السود. تسلط الضوء على محطات مميزة في نتاج كل كاتب(ة)، وذلك من خلال مقتطفات من مقولاتهم أو كتاباتهم، منهم ‘’جورج اليوت كلارك، أوستن كلارك الحائز على جائزة جيللر الأدبية القيمة في كندا، أوليف سينير، جامايكا كنكيد، ديون براند، اندرو مودي.. وهيلتون اليس الذي يقول ‘’حقيقة لست مهتمة بالسبب العلمي في تكويني: من أنا ولماذا. لا أعرف شيئاً عن لماذا ولدت.. أعتقد أنني في حياتي الواعية أنجزت أفضل ما يمكنني أن أفعله مستفيدة من أفضل ما أتيح لي، لا أعرف من أين حصلت على ما أنا عليه، لكنني صنعتُ سلامي مع كل هذا ومنذ زمن بعيد’’.الفصل الثاني: حواراتفي الفصل الثاني من الكتاب تأخذنا إلى بيوت الكتّاب، على مائدة المطبخ أو في المكتب تفتح أوراق الذاكرة والكتابة والثقافة والتجربة. في حوار مع الروائية توني موريسون الحائزة على نوبل، تتحدث تحديداً عن نظرتها إلى ذكورية المجتمع والرجل الأسود خصوصاً، وما تحمله بعض شخصيات روايتها ‘’المحبوب’’ وتبدي موريسون انزعاجها من النظرة التي يأخذها القراء عنها، في أنها ‘’تكره الرجال السود’’، فتقول ‘’حين كنت أقرأ مرة، قال لي أستاذ جامعي: أنا أقول لجميع طلابي، بأنك تحبين الرجال السود’’. فتجيب موريسون: طبعاً أحبهم… بل إنهم أجمل المخلوقات على وجه الأرض والجميع يحبهم’’. وفي موقع آخر تشير الكاتبة إلى: أنه غريب ومزعج، النظرة الشائعة عن السود بأنهم الأكثر عنفاً. فتجيب موريسون: ‘’نعم، لقد تم تصنيفنا بالأشرار والمجرمين، في الوقت الذي كنا نحن الذين نهرب ونحاول أن نحمي أنفسنا من التعرض للعنف. عندما كنت صغيرة، كنا نهرب من وجه أي طفل أبيض. كانت هذه هي الحال الاعتيادية’’.وتضيف الكاتبة ‘’غالبية النساء كن يرغبن في إرسال أولادهن الشباب إلى الحرب، التي تعتبر أكثر أماناً من البقاء عرضة للحرب الأهلية..’’. أما الروائي الكندي أوستن كلارك، على سبيل المثال، فيأخذنا إلى إشكال التصنيف الجغرافي والإبداع، هل يصح أن تكون الكتابة مصنفة تبعاً إلى البلد الأم، أم إلى البلد الذي يقيم فيه وتجري فيه حوادث الرواية ومنعطفاتها؟ يشدد أوستن على أن روايته ‘’المجرفة المصقولة ‘’ يعتبرها رواية كندية وليست تابعة لمكان ولادته (جزر البربادوس).. والكاتب – بحسب رأيه – يصبح ابن المكان الذي يعيش فيه ويمارس تقاليده وثقافته.حوارات عدة تتغلغل في تفاصيل الحياة وتفتح أمام القارئ أبواباً جديدة ممتعة ومؤلمة وغنية بالتفاصيل.الفصل الثالث: مراجعات نقديةفي القسم الأخير من الكتاب جمعت عدداً من المقالات النقدية ومراجعات لإصدارات أدبية كندية، بأقلام الكتاب والكاتبات السود في كندا – تورنتو ومونتريال.. ونذكر منهم: نيل بيسونداث، ديون براند، جورج اليوت كلارك، هنّاه كرافت، سيسل فوستر، لورانس هيل وآخرون.تختم ‘’ديون بيلي نيرس’’ هذه الأنطولوجيا بمقال تشير فيه ‘’نجد أن الأدب الأسود يحظى بمكانة عالمية ويجذب القارئ بقوة. ولكن من الواضح هنا أن الناقد (الأبيض) هو الذي يعّرف ويثمن كتاباتنا. لذلك فقدنا المقدرة على التحكم بمجريات الحوار. وأحياناً يصدف أن القارئ الأسود نفسه، يعزل نفسه عن الكتّاب السود، متنكراً لطروحاتهم وإبداعاتهم’’. وتخلص إلى القول إن ‘’من الأهمية بمكان أن نحفز جميع الكتّاب والكاتبات للمثابرة في عملهن وبقوة. إنها (الحكاية) على مر الزمن التي تعيد الأمور إلى نصابها، وتعلمنا كيف نحبّ أنفسنا’’.
–
صحيفة الوقت البحرينية/2November 2006
Title: What the black critic to do?
تعليقات