صالون جاكلين سلام للحوار الثقافي بين كندا والعالم. حوار مع المفكر الكندي جون رالستون سول
حوارات.. من صالون جاكلين سلام للحوار الثقافي بين كندا والعالم.
وقفة مع المفكر الفيلسوف والروائي الكندي جون رالستون سول
واحد من أهم مائة مفكر في العالم ولقّب بالنبي لرؤيته السياسية المستقبلية
لا بد من صيغ جديدة للحوار مع الآخر والحديث عن الحريات
جاكلين سلام –تورنتو
خلال إقامتي الطويلة في كندا وتواصلي مع منظمة قلم كندا لحرية التعبير، التقيتُ بعدد من كتاب كندا في الأمسيات والمهرجانات الأدبية التي تقام في مدينة تورنتو. وكان هذا الحوار مع أحد هذه الشخصيات البارزة التي التقيتها في أكثر من مناسبة. وهو المفكر والباحث الروائي، جول راسلتون سول
من هو؟
جون رالستون سول، مفكر كندي، فيلسوف سياسي، صحفي، باحث وروائي، تبؤأ مناصب مرموقة في كندا والعالم منها منصب رئيس منظمة "القلم الدولية" لحرية التعبير أواخر 2009 وكان المدير الفخري لمنظمة القلم الدولية، فرع كندا.
يشغل أيضاً مركز مساعد رئيس دائرة "المواطنة الكندية" حيث يناقش ما يتعلق بالجنسية الكندية وكيفية ردم الثغرة بين القادمين الجدد والمجتمع الكندي.
وشغل أيضاً منصب "نائب ممثلة الملكة في كندا بين عامي( 1999-2006) حين كانت زوجته الحاكمة "أدريان كلاركسون" وهي كندية-صينية الأصل، تشغل منصب "الحاكم العام لكندا" وهو أعلى منصب مدني حكومي يقوم بتمثيل الملكة البريطانية في كندا.
السيد جون رالستون سول مواليد العاصمة الكندية أوتاوا 1947، وحاز على الدكتورا 1972، وحصل على 14 شهادة فخرية من جامعات كندية وعالمية. الموهبة والمعرفة والخبرة والواسعة أهلته لأن يعدّ واحداً من أهم مائة مفكر في العالم، ترجمت كتبه إلى أكثر من 22 لغة منها: الصينية، الالمانية، الفرنسية، الاسبانية، الهندية، الايطالية، الاسبانية والعربية. لقّبَ بـ "النبي" في صحيفة "التايم" الامريكية.
هذا الحوار جرى عبر الهاتف بعد لقائنا معا في مهرجان ثقافي كبير أقيم في تورنتو.
سألته: ما هو تعليقك على وصفك بالنبي هذا القرن وفي هذا العصر الذي يشهد انهياراً شديداً، أكان ذلك بسبب كتابك الذي تبنأ بانهيار العولمة وسقوط نظام التجارة الحرّة في العالم؟
ضحك وقال: ربما نبي لفترة فقط والأمر قابل للمراجعة.
لقد شكل الكتاب مرجعاً عالمياً وخاصة بعد الانهيار الاقتصادي الذي يشهده الغرب مؤخراً.
المؤلفات المنشورة بالانكليزية:
من مؤلفاته في الرواية والعلوم السياسية والاجتماعية والفلسفية نذكر: الطيور الجارحة، 1977، رواية بَركة: أو حياة، ثروات، وانتوني سميث والشرف المقدس، 1983، رواية مرافق الشكاك: قاموس العدوانية في الحس الفطري، 1994، رواية الحضارة اللاوعية، 2005، عن التوازن: ستة صفات للإنسانية الجديدة، 2001، أمة عادلة: إعلان حقائق عن كندا، 2008، ملتهمي الجنة، 1988، رواية الشيء الأفضل التالي، 1986، لقطاء فولتير، دكتاتورية السببية في الغرب، 1992، تأملات في التوأم السيامي: كندا في نهاية القرن العشرين، 1997، انهيار العولمة، مع خلاصة جديدة حديثة، 2005، صدر في الصين والهند، فرنسا، استراليا، اندونيسيا، كندا، امريكا، انكلترا، وصدر عربيا 2009.
في حديثنا عن وصول بعض كتبه إلى اللغة العربية،
أعرب سول عن سعادته بوصول الكتاب إلى القارئ العربي وأبدى اهتمامه بوقع كتابه وردود الفعل حوله في المنطقة العربية.
وعن سبب قلة انتشار الكاتب الكندي في العالم والعالم العربي على وجه الخصوص، إذا ما قسنا هذا بالكتاب الأمريكيين والانكليز، قال: "لا أعتقد أن الكاتب الكندي غير معروف عالمياً، لدينا أكثر من عشرين اسماً كبيراً معروفاً على مستوى العالم، ولكن لماذا ليسوا معروفين في العربية؟ حقيقة، لا أدري حجم الترجمات إلى العربية وهل هي معدومة؟
موقع الكاتب الكندي مقارنة بالكتاب الامريكي والبريطاني؟
أما المقارنة مع الكتّاب الامريكين والفرنسيين والانكليز، فمرده أن هذه "الامبراطوريات" كانت مسيطرة وهم يروجون لبضاعتهم جيداً.."
ومن ثم تطرقنا إلى دور الكلمة وفعلها في صنمع الحضارة.
بالعودة إلى مقال في كتاب انطولوجي بعنوان "كتابة الحياة" يقول سول أنّ "الحضارة منثورة بين الكلمات"
ولكن أي نوع من الكلمات ما نحتاج إليه اليوم؟
أجاب سول: نحن لا نريد أن نحدد لأحد ما يجب قوله، لا نحبّ أن نفرض على الآخرين شيئاً، فلتكن الكلمات، الحوار، التواصل قائماً، وهذا أفضل من كمّ الأفواه والرقابة، وهذا من صلب اهتمامي كرئيس منظمة "القلم الدولية".
وهناك حاجة ملحة لإطلاق حريات صحافيين وكتّاب في العالم، دولة كالصين –مثلاً- نجد فيها اليوم مئات الكتاب في السجون بسبب الرأي. الروؤساء وأصحاب السلطة يخافون الكلمة، ولكن كيف يمكن أن نبني مجتمعاً انسانياً دون أن نتحدث عن الفساد؟ ما نحتاجه حالياً هو إيجاد صيغة للحوار مع الآخر وهذا مأزقنا حالياً. وليس صحيحاً أن حرية التعبير ابتكار غربي.
حرية التعبير ولدت أصلاً في الشرق، فالحضارات الشرقية القديمة كانت قائمة على المناقشة والاستشارة، كما كان في الحضارة الصينية والسومرية.
المرأة والنقاب والبرقع في كندا
عن مسألة المرأة والنقاب والموقف الكندي الرسمي الذي يعارض فكرة منع المرأة من ارتداء النقاب والبرقع، يقول سول:
"نحن بلد مرتاح- لا نحبّ أن نفرض على الآخرين كيف وماذا يلبسون، هذه عادة فرنسية، الفرنسيون يرغبون في تلقين الآخرين ما يجب عليهم فعله.
حرية اللباس والدين والعقيدة لا تسيء للمجتمع، لكن في نظامنا الجامعي لا يوجد معاهد للملالي، للراباي ولليهودية وغيرها.
قلتُ: ولكن، أليس فصل الدين عن الدولة ضرورة؟
فأجاب: نعم ولكن السؤال هو كيف نقوم بذلك، لننظر مثلا إلى انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي وعودة الناس بقوة كل التشبث بالقوميات والأديان.
المسيرة الإبداعية والجوائز
حاز سول خلال مسيرته الإبداعية على عدد من الجوائز الإبداعية وآخرها جائزة بابلو نيرودا.
السؤال هو: هل توقفتَ عن كتابة الرواية لصالح البحث في الاقتصاد والسياسة؟
يقول: أنا أكتب رواية حتى وإن كنتُ أكتب انهيار العولمة، وأكتب الرواية كأنها تاريخ. ليس هناك من كتابة تخيلية صافية. الكتابة التخيلية الخالصة اليوم والتي هي أدب سيء، نجدها فقط في أدب الخيال العلمي. ولذلك الرواية جزء من التاريخ. وما عرفناه عن روسيا القرن التاسع عشر أخذناه من أدب تولستوي وكتاب آخرين وليس من كتب السيرة الذاتية.
عودة إلى رواية "بركة" المترجمة إلى اللغة العربية
وروايتي "بركة" تجري احداثها في المغرب، في الصحارى حيث قضيت فترة هناك وقرأت تاريخها، وفيها تطرقت إلى الحركات الإسلامية التي كانت في بداية صعودها وها قد وصلتْ إلى ما هي عليه اليوم.
كُتب عن رواية بركة: أنها رواية صريحة عن النفظ وصفقات الأسلحة، واقتتال الغوريلا في الصحارى. ولكن لبّ الرواية عن الصداقة والحب الذي يريط بين انتوني سميث، وكوسيما زوجة مارتن لينج. إنها أيضاً عن الطموح وعن الشهوات والقيم التي تمزق الحب إرباً. وهي أيضا عن الالتباس الأخلاقي الشديد الذي يقع حين نكتشف أن الشرير هو ذلك الجميل الذي يسكن في الجوار، والذي لا يعتبر نفسه شريراً.
عن دور الأدب والسياسيون والجهل والقراءة. هل قادة العالم يقرأون الآداب؟
يقول سول: قادة العالم والسياسيون لا يقرأون الأدب، يكرهون الكلمات، يخافون منها فيحاولون خنقها، معتقدين أنهم بذلك يمسكون زمام السلطة ولكنهم هكذا يمسكون السلطة فقط ويفتقدون متعتها وجوهرها. وهؤلاء يخشون أي تغيير في اللغة أو في منهاج التعليم. فنجد مثلاً أن قطاع الإقتصاد يقف ضد تغيير المناهج التعليمية لأن "اللغة تصف الحقيقة" وأرى أن سعيهم إلى إبقاء الأشياء على ما هي عليه، مذهل، مخيف، بل ومضحك.
الديكتاتوريون يعمّرون في السلطة أقل في العالم الحر- ويضيف مبتسمأً-عدا بعض الاستثناءات.
ويدهشه أن أعداء العولمة والأيديولجيات هم الذين يقومون بالدفاع عنها حين تسقط، ويسعون لإحيائها!
كيف ينظر الفيلسوف السياسي إلى الايديلوجيات:
يقول جون راسلتون سول:
"لا الرأسمالية ولا الشيوعية تعتبران أيدلوجيا. إنهما مجرد طرق لتقاسم السلطة والدخل. والأكثر غرابة في تطبيق هذه الميثولوجيات النظرية، المتعارضتين نظرياً، هو أنهما لم تطبقا على أرض الواقع فعلا وإنما في الصياغة الدقيقة والبيانات، إذا هما تلتقيان معاً. مفرداتهما الحيادية ترتكز أكثر على نقاط الالتقاء أكثر من الإختلاف"
عن المرأة والدين والعلاقة بين الجنسين
وعن المرأة يقول: لا يوجد في الأديان نصوص صريحة تدعو إلى قمع المرأة ولكن الرجل يتعكز في ذلك على الدين وذلك لخوفه وعدم شعوره بالأمان. ومن الجيد أن يزداد عدد النساء في مواقع السلطة ولكن السؤال هو: كيف نجعل هذا ممكناً. يجب أن نجد طرق جديدة للحديث عن حرية المرأة.
في السؤال عن زوجته التي هي كاتبة أيضا وصحفية وكانت تشغل منصب"الحاكم العام" في كندا، وعن زواجه المعمّر من شخصية مرموقة سياسياً وإبداعياً يقول: أنا وأدريان نحبّ الشخصيات القوية والخلاقة.
انتهى الحوار بوعدي له أن أرسل له نسخة من المجلة حين ينشر، لكنني لم أتمكن من ذلك وللأسف...
صدر له مترجما إلى العربية أيضا: انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم.
جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة ومترجمة سورية–كندية
نشر في مجلة ( دبي الثقافية ) 2010
تعليقات