حوار مع جاكلين سلام أجرته سماح عادل/ سبتمبر 2021
تحقيق صحفي حول النساء والكتابة
أجرت الحوارسماح عادل
محررة الثقافة في موقع كتابات
السؤال الأول: هل تواجه الكاتبات صعوبات
للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
جاكلين سلام: أعتقد ما تعيشه
المرأة وتعانيه في البلاد العربية ليس فرصة التفرغ للكتابة بل تعاني من معضلة
التحرر من التعبية البطريريكية الهرمية التي تقسم الأدوار والأرزاق وقسائم حسن
السلوك في الإبداع على اختلاف أنساقه الاجتماعية والإبداعية.
والمرأة علومها المستقاة من المجتمع الذكوري
المسيطر بقسوة، وبحكم خوفها من الرقيب الاجتماعي وبحكم قناعاتها غالبا ما تنحاز
إلى دور الأم والطباخة وأعمال البيت، على أن تستجيب لنداء القلم بقوة قد تستدعي
مواجهة التابوهات.وتبقى المرأة بحاجة إلى حاضنة أوسع من مساحتها الشخصية كي تؤثر
في المحيط.
بحكم اقامتي في كندا لمدة ربع قرن، لم أجد هنا
كاتبات متفرغات يعشن من مردود الكتابة فقط، إلا اللواتي وصلن إلى مرتبة عالمية
مميزة مثل مارغريت أتوود، أليس مونرو، وقائمة غير معروفة عربيا. الكاتبات هنا
يشتغلن في كل قطاعات الخدمات والتعليم. مارغريت أتوود كانت تتحدث عن عملها وهي
طالبة جامعية كنادلة في مقهى، وفي نفس الوقت كانت تكتب مجموعة شعرية. وكذلك القاصة
التي حازت على نوبل، أليس مونرو، كانت فقيرة وتعتني بأمها المريضة وكانت تشتغل في
متجر لبيع الكتب كي تسدد فواتير معيشتها وأسرتها. ما أريد قوله، هو أن التخفف من
القيد الديني والمادي والتقسيم الجندري هو ما تحتاج إليه مجتماعتنا في الشرق، كي
نصل الى إبداع له قيمة عالمية وليس إعادة وتكرارا لكل ما كتبه الرجال سابقا.
بكلمة أخرى، حين تعمل المرأة خارج البيت،
يجب أن يكون هناك تقسيم مسؤوليات داخل البيت. ولا تعود المرأة هي الوحيدة المسؤولة
عن الطبيخ والغسيل والتسوق وما إليه من تفاصيل العيش المشترك. قد يحدث ذلك التعاون
والتعاضد في بعض الأسر قائما ولكن المرأة ما تتزال تتعثر في تحديد محاور دورها
الاجتماعي التقليدي والإبداعي الحر، وفي النهاية تشتكي من كونها الضحية. وأحيانا
تمارس المرأة العنف اتجاه زميلاتها ممن سبقنها في مضمار الحرية بضع خطوات.
تحتاج المرأة المبدعة إلى وقت للقراءة،
للسفر، لحضور الندوات الثقافية والحوار مع الاخر، وربما حتى القراءة بلغات عالمية
تفتح أبوابا معرفية مختلفة. هذا الانفتاح يحقق لها ركيزة معرفية قد تترك أثرها على
إنتاج أدبي وفكري مختلف وله قيمة جمالية ابداعية مميزة.
هذا رأي يخص المرحلة المعاصرة ومرحلة
الانقلابات الثورية التي اجتاحت عددا كبيرا من دول الشرق الأوسط. وكتابات المرأة
في الشرق الان قد تتقارب مع واقع المرحلة الكندية والامريكية في فترة ما بعد الحرب
العالمية الثانية، حيث كان صوت المرأة وحضورها تقليديا وتبعيا وكانت ملتزمة بدورها
التقليدي كأم وزوجة وابنة، ثم كاتبة على استحياء.
والأهم من ذلك هو إعادة تعريف وتقييم دور الأم ودور المرأة التي ليست أما ولا زوجة ولن تصبح بحمن الظروف أو الاختيار.
--------
السؤال الثاني: هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم والكيفية؟
جاكلين سلام:
أريد هنا أن أشير إلى مسألة مهمة وهي
الكتابة بلا مقابل مادي في العالم العربي. الصحافة العربية في جزء كبير منها لا
تشجع على الابداع، لا تدفع مكافآت مادية تشجع على البحث والكتابة، لا تدعم دور
النشر. الكتاب في أغلب الحالات يصرفون جل وقتهم مجانا، ويتبعون هواهم في الكتابة
إلى أن يصلوا إلى نهاية ما، إما نهاية ميتة، أو مضيئة في آخر النفق. المرأة تحتاج
أيضا إلى دخل كي تعيل نفسها. الكتابة لا تحقق دخلا، إلا لقلة قليلة. وهذا بحث
يطول.
الساحة الثقافية العربية في شريحة كبيرة
منها تمارس ما يشبه الإهانة لوقت الكاتب وإبداعه وتصرف الكثير من مقدراتها المادية
على القطاعات الاخرى، عدا دعم الفن والادب والكتاب.
بالطبع الوقت للتوسع بالمعرفة والتأمل خارج
الصندوق مهم لتنمية الملكات الابداعية، وهذا الوقت تحتاجه الكاتبة للقراءة
والاطلاع على الجديد سواء في الاداب او العلوم
أو الفلسفة. وثم التجريب في ابداع بطرق جديدة جماليا ونوعيا. ولكن حين يكون
جل وقتها للقيام بإعمال البيت وإرضاء رغبات الزوج وأمه وعشيرته، وأهلها أيضا حينها
سيكون الكتاب أخر محطة في سلسلة الاهتمامات.
الخوف الاجتماعي يقتل الموهبة الأدبية ويحجم
المخيلة بالنسبة للمرأة الكاتبة وكذلك الرجل. لذلك نلحظ كتابات متشابهة في الثيمة
والمعالجة وطريقة التعبير.
ومع ذلك لمجرد أن تكتب المرأة فهي تكتسب
خبرة من تجربتها مع اللغة والصورة، والتراكم قد يقود إلى تحسين الكيفية إذا كان
منفتحا على العالم. وهنا يهمني أن أركز على أن المرحلة هذه تحتاج الى حرية فكرية،
وتغييب الرقيب أو الحد من تدخله كي يكون الابداع طفرة.
لا يمكن لرجل أو امرأة
أن يأتي بانجاز متميز وعلى كتفه كل أنواع الرقابات التي تكسر أجنحة القلم
والمخيلة. انظروا الى عدد الكتب التي يساق أصحابها الى المحاكم أو يتم التشهير
بمبدعيها لمجرد إقدامهم على كسر التابوهات في هذا المجتمع وذاك!
السؤال الثالث: هل تشعرين بالظلم حين تتم
مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير
في إتاحة الفرص وتوافرإمكانية التفرغ؟ سماح عادل
جاكلين سلام : وهل حقق أدب الرجل العربي
طفرة استثنائية قياسا بكتابات المرأة؟ أعتقد أن الأسماء اللامعة الكبيرة معروفة
ومحدودة قياسا بعدد الملايين الناطقة بالعربية. ولا ننسى هنا أن نسبة كبيرة من
نساء العرب كن أميات في مرحلة قريبة ماضية، وهناك حتى الان رقع في أرياف البلاد
العربية تمنع فيها المرأة من دخول المدارس. بالاضافة الى إجبار البنات على الزواج
المبكر في بعض الحالات. وبناء عليه عدد الكاتبات سيكون أقل، وللاسباب الاقتصادية
والاجتماعية المعروفة سيبقى ههناك تفاوت في كمية الكتب ونوعيتها.
لا أعتقد أن هناك نقد بنيوي دقيق أو مهني
يرتقي الى تقييم المادة الإبداعية. التقييم والتقسيم ليس عادلا ولن يكون/ ولا
يهمني شخصيا في هذه المرحلة سوى أن أفرغ جعبتي من القصص التي أريدها أن تخرج
وتتابع البحث عن قارئ وقارئة في آخر الكون.
السؤال يحيلني إلى التالي: من الذي يقيم
النصوص من الناحية الجمالية الفنية؟
استطيع القول ان النقد يعاني عجزا كبيرا ولا
يوجد تقييم منصف لما يطرح في السوق. العلاقات الشللية والنفعية تحكم قسما كبيرا
مما يكتب على أنه ( نقد أدبي). لا أعترف بسلطة الناقد الحيادية أمام أي مخطوط.
هناك ترويج لبعض الاسماء بحكم ( الصحبة والموقع الجغرافي).
أما المرأة فهي مظلومة وظالمة في الان ذاته
في هذه المرحلة. المرأة العربية تمارس غيرتها بشكل واضح من قريناتها في الابداع .
والمرأة تستنكر على زميلاتها نجاحهن النسبي في هذا الحقل وذاك.
ربما نرى ذلك جليا في صفحات سوشال ميديا
التي تحضر فيه الاسماء النسوية الى جانب اسماء الرجال.
ولعلنا ننتبه إلى ظاهرة المديح المبالغ به،
الذي يمارسه الرجل والمرأة في آن، دون أن يكون ذلك مستند إلى أدوات نقدية متمرسة.
الأدب لا يقبل المجاملة.
النقاد مثلنا منشغلون بلقمة العيش والبحث عن
سقف آمان وكرامة لأسرهم وأنفسهم. والنقاد أيضا خاضعون للرقابة التي تحاصر كل
الاقلام العربية. الوقت له ثمن والكتابة بحاجة إلى محيط حر نوعا ما.
ربما ستأتي امرأة في الساحة العربية يوما
وتقلب موازين النقد الاجتماعي والثقافي. وإلى ذلك الحين علينا أن ندفع نكتب ونخطئ
ونعيد الكتابة ونتلعم من ضعفنا ومن قوة من سبقونا في المضمار.
أكتب من كندا وبالعربية ولا ألتفت إلى النقد
كثيرا. خمس مجموعات شعرية منشورة ما بين عام 2000 ولغاية الان ولم أحظ بمقالة
نقدية واحدة حقيقية لما كتبت، لا بأس. لقد كتبت أفكاري وأرائي على صيغة مقالات وحوارات
وومشروعي القائك أن أجمع كل هذه الكتابات عن المرأة في حقل الابداع والمجتمع في
كتاب مستقل.
النقاد مثلنا منشغلون
بلقمة العيش والبحث عن سقف آمان وكرامة لأسرهم وأنفسهم. والنقاد أيضا خاضعون
للرقابة التي تحاصر كل الاقلام العربية. الوقت له ثمن والكتابة بحاجة إلى محيط حر
نوعا ما.
السؤال الرابع: ما رأيك في انتقاد البعض
للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
جاكلين سلام:
يخافون من المرأة إذا خرجت عن القمقم الذي
يريدونه لها كي يسهل عليهم تطويعها وفرض الوصاية عليها. أحيانا قد تعمد النساء إلى
استفزاز الاخر بارتكاب ( شطحات جريئة) قد لا ترتقي الى الفنية الابداعية المطلوبة
ولكنها بالتأكيد لن تضر بأحد في النهاية.
أحيانا استغرب من القول: هذه كتابة جريئة،
أو كتابة تخدش الحياء أو كتابة ملتزمة"!
وأستفسر
من الذي اخترع هذه التقسيمات والنعوت؟
ما
الذي ستتحدث عنه المرأة وليس معلوما اساسا؟ الجنس، القبلة، الطبيعة، العلاقات
الشرعية وغير الشرعية، الوطن، المنفى، الطبيعة، ؟ ما الذي يخدش الحياء طالما نحن
ابناء أدم وحواء... والمجتمع كله قائم على علاقة الذكر بالانثى كجنس بشري، حتى إذا
أردنا أن نكتب عن قانون الغاب.
قرأت أن أحدى الكاتبات تراعي في كتابتها
الحشمة وتحسب حساب ابنها الذي قد يقرأ المخطوط أو الكتاب!
عجبا، ولكن حين يبلغ الأولاد مرحلة معينة من
النضج، ألا يترتب علينا كأباء وأمهات أن نؤهلهم لدرس الحياة بكل أبعاده.
أعتقد نحن بحاجة الى تعريف مفردات كثيرة:
الحشمة، العار، والحياء والكتابة المتخيلة والتوجيهية والفكرية.
ما يزال لدي حلم أن جيلا سيأتي بعدنا ويعيد
الى المحبرة إبحارها في الفكر والأدب دون قيد وشرط.
السؤال الخامس: هل تشعرين أن كتابات النساء
مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟
جاكلين سلام: أعتقد أن النقد غير حاضر وغير
مواكب وغير مكترث بما يطرح في السوق.
الناقد يحتاج الى دخل مادي ليعيش، وأيضا
الناقد غير متفرغ للكتابة والنقد وبمقابل مادي مناسب لوقته.
أتصور أن قلة تنتقي ما يصلها كي تقدمها في
عروض مجتزأة هنا وهناك.
نحن بنات وأبناء مجتمع ظالم بطبيعته
المعاصرة والظلم قائم على تقسيمات جندرية واقتصادية ودينية واجتماعية.
الأدب هو الصورة المثلى لهذا الواقع الذي
يحتاج إلى انقلاب جذري في المفاهيم الجمالية، إلى جوار الانقلابات الثورية التي
دفعت بالنساء والرجال الى ساحات التحرير بحثا عن متنفس حيوي انساني. وللاسف انحرف
الكثير من هذه الحركات الى غير ما يتمناه عشاق المجتمع المدني الحر القائم على
التكافؤ والمساواة واحترام الملكات الابداعية على اختلاف مشاربها.
جاكلين سلام، شاعرة سورية كندية، كاتبة
مقالات نقدية، مترجمة.
أجري الحوار ونشر في شهر سبتمبر 2021. اجرته
الكاتبة المصرية سماح عادل ونشر في موقع ( كتابات)
تعليقات