يان مارتل يعمل على تثقيف رئيس وزراء كندا







كاتب كندي يضع على عاتقه تثقيف رئيس الوزراء



جاكلين سلام -كندا

الكتاب الذي صدر بالانكليزية والفرنسية للروائي الكندي يان مارتِلّ عن (راندوم هاوس) بعنوان"ماذا يقرأ ستيفن هاربر؟" يضعنا في مواجهة أسئلة متشعّبة عن علاقة القادة السياسيين بالآداب والفنون وأثر ذلك في سياساتهم وشخصياتهم، وعن أهمية القراءة وعلاقتها بارتقاء المجتمعات وقيمها الجمالية.

السيد ستيفن هاربر رئيس حزب المحافظين الذي يشكل أقلية، انتخب رئيساً لوزراء كندا عام 2004. حين سُئل هاربر عن كتابه المفضل أثناء حملته الانتخابية، كان جوابه " كتاب غينيس للأرقام القياسية". ومن الصعب أن يُهضم هذا الجواب الخائب، حين نقارنه بجواب الرئيس باراك أوباما الذي يقرأ ابراهام لنكولن، توني موريسون، وشكسبير.

يكتسب هذا الكتاب أهميته من أنّه يكسر حاجز التراتبية الهرمية السلطوية بين كاتب وقائد. لقد أخذ مارتل على عاتقة مهمة "تثقيف" رئيس الوزراء السيد ستيفن هاربر. اقترح عليه أن يقرأ أدبا عالمياً ليعطي لنفسه فرصة أن يجلس ساكناً لبرهة مع الكتاب. تعهد مارتل منذ نيسان 2007 بارسال كتاب إلى السيد هاربر كل أسبوعين مرفقاً برسالة يحكي فيها عن مضمون الكتاب وتاريخه، ويتطرق إلى بعض القضايا المحلية الكندية وآراء رئيس الوزراء. يقول مارتل أنه سيواظب على إرسال الكتب ما دام هاربر في مكتبه. بلغ عدد الكتب التي تم إرسالها لحين صدور الكتاب ( 65). كما أنه قام بارسال نسختين إلى هاربر مرفقا برسالة يشرح فيها أنه أراد إصدار الرسائل في كتاب كي يأمن حفظها في الأرشيف بأمانة. كما يتعهد أيضاً بنشر أي رودود رئيس الوزراء ومكتبه الذي آثر الصمت، واكتفى مكتبه بارسال عدد محدود من الردود الرسمية التي تقتصر على إشعار بوصول البريد والشكر.

السبب الذي دفع مارتلّ لهذه المبادرة الغريبة: في بداية عام 2007 وبحضور شخصيات رسمية عليا وممثلين عن الثقافة والتراث، أقيم احتفاء رسمي بعدد من الكتّاب الكنديين الذين نالوا منحة أدبية من قبل مجلس الفنون الكندي في أوتاوا العاصمة. يقول مارتل أن تكريمه والفنانين الآخرين جاء بتقديم سريع لكل منهم، كان هاربر هناك غير مبال بما يجري حوله، لم ينظر في وجوههم، لم يقل كلمة، كان يقلّب بضيق صبر أوراقاً أمامه. ومن هنا ولدت فكرة الحملة التثقيفية مرفقة بموقع الكتروني ينشر فيه الرسائل وعناوين الكتب المرسلة والردود. ورغم وجود هذا الموقع على الشبكة إلا أن الكاتب يقول في رسالته إلى هاربر أن الموقع الالكتروني غير مضمون وقد يتم مسحه عن الشبكة لذلك لا بد من توثيق الرسائل في كتاب. يقول أيضاً: صحيح أن اسمك وارد في عنوان الكتاب، لكن الكتاب ليس عنك، إنه كتاب عن الكتب وعن القراءة.

يكتب مارتل رسائله بخفة دم ودراية: صحيح أنني لا أحب سياسة هذا الحزب ولكن لا يمكن لفرد أن يكتب 65 رسالة فقط لأجل الكره. يكتب بحرية لا تهين، ولا يجد غضاضة في اقتراح قراءة كتاب مايكل اغناتييف، رئيس الحزب الليبرالي في كندا. يرسل له "الأقل شراً" وهو بحث سياسي تاريخي عن طرق مكافحة الإرهاب وما آلت إليه الحروب في افغانستان والعراق وغيرها. يذكّره بضرورة قراءة كتابات "معارضه السياسي" كي يعرف ما يجري في ذهنه ويفهم كيف يماحكه وخاصة أنه يلتقي به كثيراً في ردهات وجلسات البرلمان. يذكر بأن لـ"اغناتييف" 16 كتاباً بينها 3 روايات، وكان مذيعاً وصحافياً-سابقاً.

إن كتاب "ماذا يقرأ ستيفن هاربر؟" مناسبة للاحتفاء بالكتابة والقراءة ولذلك فهو موجه لعشاق القراءة من كل المشارب، كتاب يكرّم الأدب الكلاسيكي والحديث، الكندي والعالمي. أول كتاب في القائمة كان "موت ايفان ايفانوفيتش" للروسي ليو تولستوي. كما أرسل لهاربر ملحمة جلجامش، يوليوس قيصر وكتب لـ: فولتير، همنغواي، مارغريت أتوود، أليس مونرو، جين أوستن، فيليب روث، "انتظار البرابرة ل ج.م. كويتزي، هيروشيما مون امور لمارغريت دوراس، سيرة ذاتية مصورة عن بطل التمرد عند الهنود الحمر في كندا "لوريس ريل"، بالإضافة إلى أشعار تيد هيوز، نورث روب فراي،..الخ. ولم ينسَ أن يخصه بكتاب عن رياضة الهوكي التي يعشقها هاربر. كما لم يقصر قائمته على كتب كنديين ممن ألقوا خطابات ناقدة شديدة اللهجة حين أصدر هاربر قراراً بالحدّ من المساعدات المالية المخصصة لدعم الفنون في كندا. القرار استدعى في حينه قيام حملة ومسيرات استنكار في عدد كبير من مدن كندا.

يذكر أن يان مارتل مواليد 1963 له إصدارات معدودة لاقت شهرة كبيرة أهمها رواية "حياة باي" التي ترجمت إلى 40 لغة عالمية. ترجمها إلى العربية سامر أبو هواش، وصدرت عن دار الجمل.

نقول أن فكرة الكتاب جرئية ولئيمة. ولكن ماذا لو خطر لكاتب عربي أن يقوم بحملة تثقيف لرئيس جمهوريته وأرفقها برسائل ودية نقدية تتحدث عن أحوال البلاد من وجهة نظر معارضة، وعن ظروف الكاتب الفقير والصحافي الملاحق والشارع المفتقر للخدمات الأولية؟!



جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا
نشر في صحيفة الاخبار اللبنانية 2010

تعليقات

جاكلين سلام

حضانة الاطفال والحقائق المرة عن محكمة الاسرة في كندا

شعرية الكريستال قراءة نقدية في مجموعة كريستال للشاعرة جاكلين سلام. د. محمد فكري الجزار

about " Anne of green Gables"

قسوة الهجرة الى كندا في مذكرات سوزانا مودي، جاكلين سلام

مراجعة كتاب وقراءة في "نادي الانتحار" والليالي العربية الجديدة

مشاركة جاكلين سلام في مؤتمر اعدت له الجامعة الكندية ( ماكماستر) حول اللغة والمنفى

انشغالات جاكلين سلام في الدستور الاردنية

حوار مع الناقد محمد عباس في صفحة منتدى مدينة على هدب طفل 2004

نصوص من مجموعة المحبرة أنثى