سلام جاكلين
رشحت رواية «لعبة دونيرو» للكاتب راوي حاج لقائمة الترشيح النهائية في كندا عام 2006، مما جعلها تأخذ طريقها إلى قائمة أعلى الكتب مبيعاً، وكذلك فازت بجائزة أول كتاب في مقاطعة كيبيك. قرأت له وفكرتُ بإجراء الحوار ولم يكن بيننا وسيلة اتصال، فبحثت عن دار النشر «أناناسي» وجاءني الرد من الناشر سريعاً وتم التواصل عبر الإيميل والهاتف. تعثر الموعد الأول بسبب عاصفة مجنونة في ذلك اليوم تسببت في تكسير أشجار وتقطيع بعض شبكات الهاتف والكهرباء في مقاطعة كيبيك، وكان بعدها بأيام هذا الحوار لتعريف القارئ بهذا الكاتب المجهول في البلدان العربية:
> قرأت في صدد التعريف عنك في صحف تورنتو انك مسيحي من أسرة مارونية على ما أعتقد، والرواية تسلط الضوء على علاقة الصداقة بين مسلم ومسيحي في بيروت.
ـ يحضر في الرواية أيضاً الملحد واليهودي والأرمني.. الأقليات التي تشكل خريطة المجتمع اللبناني. لكنني أفضل التعريف عن نفسي بعيداً عن أي انتماء ديني أو طائفي، وأفضل الانتماء العلماني الإنساني، الذي أعمل من خلاله لإيصال رسالتي في الفن والأدب. أجد أن التعصب والتقوقع الديني والخلط بين الدين والسلطة، أحد المعوقات في وجه تطور المجتمعات. ولنأخذ مثالاً التقدم والتطور في أوروبا والغرب لم يحصل إلا بعد الفصل بين سلطة الكنيسة والدولة. بلادنا تحتاج إلى تغييرات حادة في بنية الشارع والوعي.
> هل هناك أشكال أخرى من الكتابة تمارسها عدا الرواية، وهل تكتب باللغة الإنجليزية فقط؟
ـ نعم، اعتمدت اللغة الإنجليزية للكتابة، وأجيد الفرنسية والعربية. نشرت كتابات قصصية ومقالات في عدد من الصحف الكندية، كما فزت في السنوات السابقة بمنحة مادية من مجلس الفنون في كيبيك للتفرغ لكتابة مجموعة قصصية ولم أنشرها بعد. إحدى القصص تطورت وأصبحت رواية «لعبة دونيرو».
>: لو صدرت روايتك باللغة العربية، هل تعتقد أنها كانت ستحصل على التقدير ذاته؟ وهل تفكر بترجمتها إلى العربية؟
ـ أبداً، لا أتصور أنها كانت ستحظى بما حظيت به هنا. ويجري الآن العمل على إعادة طباعتها في عدة دول منها: انجلترا، استراليا واليابان. أما إذا رغبت جهة ما في ترجمتها إلى العربية فلا مانع.
> سمعتُ أنها ستتحول إلى فيلم سينمائي، من سيقوم بالإخراج والإنتاج؟
ـ نعم، هناك حديث وعقد أولي حول نقل الرواية إلى فيلم، لا تفاصيل حالياً، سنرى.
> في «لعبة دونيرو» يتعامل أبطال الرواية مع العنف والموت. لماذا اخترت هذه الشخصيات «الشباب الأزعر» تحديداً محوراً للرواية؟
ـ لم ألجأ إلى تقديم المجتمع والشخصيات بصيغة المناضل والضحية. لقد كتب الكثيرون عن هذا الجانب. هنا جانب آخر من المجتمع في متن الرواية، نرى خيانة الصداقة والغش والتجارة والتهريب والعنف والقتل وصفات أخرى يمارسها أبطال الرواية. هؤلاء شريحة من شباب خسروا كل شيء بما في ذلك الشعور بالارتباط الاجتماعي على الصعيد النفسي والأخلاقي. وهذه الخسارات لم تبق لديهم رادعاً يمنعهم من الابتذال والتخريب وانتهاك القيم. باعتقادي أن الأدب هو الذي يستطيع أن يضع يده على هذه النقاط، ويكتب التاريخ برؤيته الخاصة المختلفة عادة عن التاريخ الذي تكتبه الدولة. هناك جزء مطموس في هذه البلاد يجب أن يظهر للنور. كما أنني ككاتب أجد ضرورة انتقاد الحرب الأهلية اللبنانية وأشكال العصبية والطائفية.
> إلى أي مدى يتشابك ويتقاطع المتخيل الروائي مع أرض الواقع، مع واقع لبنان في ظل الحروب التي يتم تسليط الضوء عليها عبر «لعبة دونيرو»؟
ـ يحضر الجانبان في الرواية، ودائما تختلط المقاييس إذ لم تعد الحقيقة حقيقة كاملة وواقعية، وكذلك التخييل ليس نقياً. إنها لعبة الروائي في أن يخلق ويربط ويعيد صياغة الواقع لبناء عالمه الأدبي. وفي هذا الجانب اعتمدت على الصورة والوصف الذي يستمد قوته من اهتماماتي الفنية بالدرجة الأولى، وبالرجوع إلى الفيلم الذي أخذت عنه اسم الرواية. أما عن الجزء الذي يتقاطع مع سيرة الواقع، فكنتُ في التاسعة من العمر حين بدأت الحرب الأهلية وشهدتُ وسمعت الكثير من التفاصيل. حين غادرتُ لبنان كنتُ شاباً، 18 سنة. ما زلت أذكر كل شيء، ولم انقطع عن المجتمع هناك.
> لنتحدث قليلاً عن المكان في لعبة دونيرو، هناك ثلاثة أمكنة رئيسية تحضر وهي لبنان، فرنسا، روما، ماذا تعني لك هذه الأمكنة؟
ـ لبنان هو بيت الذاكرة الأول وبيت الطفولة وهناك درست واطلعت على الأدب العربي، وقرأت المتنبي وجبران والأسماء الكبيرة الأخرى. وكذلك فرنسا لها حضور في ثقافتي وتشكيلي الوجداني إذ درسنا الأدب الفرنسي واطلعنا على ثقافة الآخر بحكم العلاقة التاريخية ما بين البلدين سواء من الناحية السياسية والانتداب أو من حيث الروابط الدينية. أما روما فهي المكان الآخر الذي يتعلق مع هذه الأمكنة من حيث الهجرة، كما أن هناك روابط في العمق ندعها للقارئ والناقد.
> لم تحضر مونتريال مكان إقامتك الحالي في الرواية، وليس هناك نوبات غضب الطبيعة وتكسير أشجار وأعاصير.
ـ لا، لم يحضر المكان الكندي، ولكن أحداث الرواية الحالية تجري في مونتريال ـ كندا. أما عن العواصف والتكسير، فهناك شتاء وثلج طبعا، وتكسير من نوع آخر.
> هل تعرف نفسك بكاتب كندي ـ لبناني؟ وهل هناك خصوصية للكتابة المهجرية برأيك؟
ـ نعم أقدم نفسي كاتبا كنديا ـ لبنانيا. ثقافتي الأولى لها حضورها وتأثيرها بلا شك. أما بخصوص الكتابة المهجرية سواء العربية أو العالمية، فأرى أن هناك أدباً «مختلفاً» له نكهة خاصة يقدمها الأديب الذي يتعرض لتجربة السفر والتنقل من بلد إلى آخر ومن لغة إلى أخرى. كل هذا يساهم في صياغة الأسلوب والتقنيات ولكل كاتب خصوصيته. إحدى نقاط القوة التي تحدث عنها النقاد في روايتي كانت اللغة الشعرية وهذا نابع من دراستي وقراءتي للأدب العربي، بينما لا نجد ذلك في الأدب الإنكليزي الذي يقترب من الجفاف ويميل إلى الستايل «الفيكتوري» المحافظ القائم على خلفية دينية مسيحية صارمة.
> هل هناك أسماء معينة في الأدب الكندي تجدها قريبة إلى نفسك؟
ـ الحقيقة توجد أسماء ولي قراءاتي، ولكنني سابقاً لم أكن على تواصل كبير مع الأدب الكندي. حالياً فقط بدأت التركيز على قراءة الأدب الكندي. لي اطلاع مثلاً على تجربة بعض الكتاب المهجريين في كندا، منهم الكاتب الهندي الأصل «مايكل أونداجي». كانت قراءاتي الأولى والعامة في الأدب العربي، الأدب الفرنسي والأدب الروسي الذي طالعته بغزارة.
> لعبة دونيرو حصلت مؤخراً على جوائز في مقاطعة كيبيك أيضاً؟
ـ حصلت على جائزتين صادرتين عن «اتحاد كتّاب كيبيك» وذلك لتصنيف الرواية: أفضل كتاب يصدر في كيبيك لهذا العام، والجائزة الأخرى عن نفس المصدر، عن رواية «أفضل أول كتاب» للعام 2006.
> كيف كان استقبالك لهذه الجوائز ووصول الرواية إلى قائمة الترشيح النهائية لجائزة «غيللر» و«غوفينر جنرال» المرموقتين؟
ـ الوصول إلى الترشيحات النهائية في هذه الجوائز حقق لي نقلة كبيرة وسعادة ومبيعات وآفاقاً عالمية جديدة، لم أكن أتوقع ذلك بصراحة خاصة أنها أول إصدار لي في حين تجاوز عدد الكتب المقدمة للجنة التحكيم المائة كتاب من عموم كندا، ولكتاب عريقين وجدد.
> كيف تنظر إلى مفهوم التعددية الثقافية؟ وهل تجد عوائق في وجه الأدباء من أقليات أخرى؟
ـ بالنظر إلى واقع مقاطعة كيبيك نجد أن الجميع يعتبر نفسه أقلية، الانجليزي يرى نفسه أقلية في مقاطعة طابعها العام فرنسي. الفرنسي الكندي يجد نفسه أقلية بالنسبة لكندا. وكذلك باقي المهاجرين من كل دول العربية أو الشرق أوسطية والأوربية. المسألة هنا معقدة نوعاً ما، لكنني شخصياً ومن تجربتي أجد أنني حققتُ نجاحاً جيداً والأبواب مفتوحة للجميع. هناك انفتاح على الآخر ولكنه ليس مثالياً، كما أن كثيراً من كتَاب كندا الكبار من أصول أثنية ومهاجرين. ثم أن الكنديين بحكم الوضع العالمي الجديد والأحداث السياسة، أصبح لديهم «حشرية» معرفة من نحن وماذا نكتب. وأعتقد أنهم يبحثون عن أدب مختلف متخلص من الجفاف اللغوي والروحي.
من هو؟
> ولد راوي حاج في بيروت عام 1964. هاجر إلى كندا عام 1992 وأقام في مقاطعة كيبيك ـ مونتريال. وقبل ذلك عاش في قبرص وأميركا. بالإضافة إلى كتابته الرواية، درس الفنون الجميلة في اميركا وكندا. وأقام عددا من المعارض الفنية الفوتوغرافية في عدد من الدول منها: لبنان، كندا، أميركا، كولومبيا، اليابان، فرنسا. وله أعمال مقتناة من قبل المتحف الكندي للحضارات في أوتاوا.
* سلام: شاعرة وصحافية سورية مقيمة في تورنتو
نشر في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية
تعليقات