حوار مع جاكلين سلام اجراه نعيم مهلهل عام 2004
الرّوائي نعيم مهلهل للشّاعرة جاكلين سلام: هل مفاجأة أن تجدي كاشفاً لسرّك مع القصيدة يأتي من أقاصي جهات الأرض. من أور مثلاً؟
هل ثمة حلب في كندا!
أجرى الحوار: نعيم عبد المهلهل
القلب الذي يرى
القلب الذي يخلق
القلب الذي يسمع، ماأجلّه وما أشقاه.
أعتقد أن هذه القلوب الشاعرة، قلة، ولها هيبة لا يمكن الركون إليها ولا تفنيدها، إنها
هيام وعشق في محراب الحياة التي تستحق الجميل الباهر، لكننا كثيرا نصاب بالعمى والإسمنت
والكراهية، ونتعثر في الطريق ولا نصل.
ج.س
أجرى الحوار عبر النت، الكاتب العراقي: نعيم عبد المهلهل/الناصرة.
عام 2004
أين يكمن ضعفنا ونحن نتواجه مع أداء خاص لكائن لايسع الوجود أحلامه إلا من خلال قصيدة
تعلمها في محارب الآلهة .
يقول سان جون بيرس: جالس في صداقة مع ركبتي. أنا الآن جالس في صداقة مع من أريد أن
احاوره . شاعرة تتقد كما ومضة برق في مساحة بيضاء لورقة تخضع كل مشاعرها للقصيدة .
جاكلين سلام : أبنة فلاح. وجزراوية تضع العشب ضمن قائمة التكوينات الحسية لكل أدائها
الحياتي . ورغم غربتها النائية تجدها موجودة في أساطير جنوب الله، وربما نجدها تحتفي
برغبة الوثوب الى الميتافيزيقيا تحت ظل حجر الكلس الذي هو من مكونات قلعة حلب. حيث تقول
:أن شيئاً من طفولة الحلم كانت هناك.
لاتثير غباراً وهي تسير بعربة النجوم رغم أن طريق الوصول إلينا يحشر أحلامه بين تراب
الأزمنة ، لهذا فانّ معايير النص لهذه السيدة يقف عند حدود حلم الماس بأكتشاف تاج
الحياة. وتذكر لي: أن الأمل الإنساني هو رغبتها الطافحة.
س: جاكلين/ هل قرأت الأمل لأندريه مالرو؟ وحتى وأن لم تقرأيها. إنه في قصائدك بحثاً عن
ضياع في منفى. ومن يقرأ لك يجد أنك تجديه ولكنه يضيع في لحظات! أنا أقصد الأمل ولا أقصد
مالرو؟
ج: الأمل: لم اقرأه في كتاب، لم أدوّنه كمفردة في جملة شعر، أو مقالة حتى الآن،
استوقفتني هذه المفردة/ الموضوع وعمق السؤال. أبحث أيضاً عما لا أعرف له جواباً. كنا
صغاراً يوماً وكان الصديق الجميل، يرسم على دفاتري زوارق وأشرعة وطيارات ورقية ويكتب
تحتها" الأمل " ثم يصمت ويضيع. كنّا نختلق أسباباً للضياع، حتى أصبحنا خارج حدود الممكن
والملوس. هنا/جلستُ على أعتاب الحبر، أصنع كلمات ربما تقبض على أملها الخاص، وتعيد حريته
ثانية. أي ّ تشرد يحتمل قلب القصيدة، في دروب أتفقنا على أنها المنفى؟! وأيّ سحر وجلال
يفيض على حواف القلب، حين تطلق من قلبك فراشات تحققت، وتبحث عن حقول أبعد لمواصلة الرفيف
والإقامة من جديد – لوهلة أخرى وأخرى!
عزيزي نعيم، يضيع الأفق سهواً وعمداً، ولستُ أتمسك بشيء، ربما لذلك أسكن بيتاً في جوار
القصيدة، وأسميها مأوى القلب. لديّ شغفُ أن تفسح مزيداً من أسرارها لي، لنا، نحن الذين
لم نتفق على الأمل، ولم نتفق على الضياع ولم ننجز بعدُ دروباً تقود إلى الروح- إلينا!
ـ الله يرى من خلال قلبه. والشاعر من خلال قلبه أيضاً. الشعراء هم خليقة الإله. يذهبون
الى مشيئة واحدة. كيف يكون شكلها في قصائدك؟
ج: مرة قلت للمحبرة: من يبّصرنا/ الله أمْ الكلمات؟!
القلب الذي يرى/ القلب الذي يخلق/ القلب الذي يسمع، ماأجلّه وما أشقاه.
أعتقد أن هذه القلوب الشاعرة، قلة، ولها هيبة لا يمكن الركون إليها ولا تفنيدها، إنها
هيام وعشق في محراب الحياة التي تستحق الجميل الباهر، لكننا كثيرا نصاب بالعمى والإسمنت
والكراهية، ونتعثر في الطريق ولا نصل. لا أعرف عن " المشيئة الواحدة " التي يذهب إليها
الشعراء! كما تشير في سؤالك/لكنني أعرف أنهم يرحلون إلى ضفة عالم الموت، إنها وجهة يمشي
إليها الجميع، لكنهم لا يذهبون كلياً! يتركون الكلمة / الروح.
كان لي أن أكتب قصيدة بعنوان " مشيئة ناقصة " منذ أكثر من عام، أحاول علاج النقصان
الكثيف، في خطوة الكائن وماوراء الطريق:
الزيتون أخضر، قبل وبعد نوح / الوقت محترق في الراحات / يبتهل الندى، يقشّعر
حين حذاء يقترب من عشب مسفوح!
الله والأبواب النحاسية/ قيامةٌ مُرجاة/ مشيئة ناقصة/ وربما أخطاء في المقادير أيضا!
- في السؤال عن ماهية الحلم يقول ماركس: أنه الرغبة بحياة أفضل. أقرأ لك. وفي كل مرة
أجدك تعيدين كتابة النص من أجل الأفضل. ما الذي يجعلك تراجعين النص مرة أخرى؟
ج: وتلك الرغبة في "الحياة الأفضل" التي حلمها ماركس ورفاقه ياعزيزي، لم تتحقق بعد وفي
أرجاء المعمورة. فهل يمكنني أن أعطي القصيدة صورتها المنجزة والنهائية؟! – الماركسة الآن
تعيد أيضا نقد صورتها ومقولاتها وعثراتها. ولذلك أعيد النظر في تفاصيل نصوصي. ما نقوله
ونكتبه ليس مُنزلاً ونهائيا، وإن أعتقدنا ذلك، سنتأخر عن الأحلام التي أقترفناه في عشق
الحياة والعزف على جنونها وجمالها وقبحها. والقصيدة وليدة كل هذه التفاصيل والتدابير
المتغيرة، لذلك أحاور القلق وأعبر عنه في سيرة القصيدة. مرات عديدة وجدتني أغيّر عناوين
قصائدي قبل- بعد النشر، أو جملاً بأكملها. لماذا أفعل ذلك؟ ربما لأنها حالة الحلم،
والرغبة في الوصول إلى الهاجس اللامرئي من جسد القصيدة/ قوامها الإبداعي الحميم.
وحدها الأيام التي تسكن أرقاماً على التقويم السنوي، أنجزناها، كيفما أتفق، خرجت من
يدنا. أما الحبر وما أكتب، ليس رقماً وجغرافية، إنه المشروع القابل دوما للإنجاز من
جديد/ هكذا أجدُ قناعاتي حالياً! وقد تتغير أيضاً.
ـ هل الشعور بالغرور غار لقيصر؟ وهل كليوباترا كانت حدساً لنهاية يوليوس. إذن الشاعرة ظل
مزعج للشاعر ربما؟
ج: هكذا تطرح هاجسان شائكان تعاني وتصاب بهما الروح المبدعة " الغرور والغيرة ". أحيانا
كثيرة لا يطيق الشاعرة( ة) ظله الشخصي، لا ينسجم مع حجم ظله ورتوش الضوء وإسقاطاته على
سيكولوجيا الروح المعطوبة، التي تغذت من ازدواجية التاريخ الذي تأسس على حكايات عنف
واقتتال منذ " هابيل وقابيل" وحتى اليوم. هذه الأمراض المعلنة أوالمستترة، ترقد في
"سيكولوجيا الإنسان المقهور". الغرور مصّيدة تقتل مساحات الأمان والتواصل والنقاء وتشوه
كائنات القصيدة والعالم. العالم/ثنائيات في ساحة صراع مخيفة" القوي / الضعيف – الحاكم /
العبد – الرجل الشاعر/ المرأة الشاعرة .... سيرة قتل وخوف وظلم والضحايا كثر وقلما ندرك
سرّ اللعبة المقيتة هذه.
الشاعرة الحقيقة، تخلق كيانها المستقل، لا تكون ظلاً للآخر- المذكر أو المؤنث. الشاعر
(ة) في القصيدة تقيم الصلات بالطريقة التي تراها وتشعر بجدواها. حضور المرأة يقلق
السلطان، وأعتقد يلزمنا نصف قرن آخر كي نعتدل ونبدع دون أن يقتلنا الغرور وشهريار... على
فكرة، دعني أوشوشك عزيزي القارئ: أكثر من مرة سمعت من الزميلات النساء بأنني مغرورة
ولكنني أبتسم وأنصرف بشموخ، وأقول لابأس!
ـ هل مفاجأة أن تجدي كاشفاً لسرك مع القصيدة يأتي من أقاصي جهات الأرض. من أور مثلاً؟
ج: ربما في ذلك تكمن سعادة القصيدة أيضاً. القصيدة التي تكتب في عزلة الإسمنت، وتمد
جذورها إلى بيت جدي في أور ونينوى وبابل وتنام على أعتاب المالكية، بين كروم العنب
وأعشاب الحقل وحنطة أبي الفلاح الذي أتعبه المحراث وحسابات البيادر وسنوات غيابنا.
صدفة ممتعة، أن تجد طيات قصيدتي مساحة نور وعناية من تلك الجهة القصوى، الملاذ – البيت
الأول.
ومع ذلك أجد أنني انتظر جهات الارض كلها- كي تهرب من واقعها الجغرافي وتحلق في كشف حجب
وأسرار القصائد والإبداع وتشارك في تعميم الجمال، قسطاً قسطاً.
أريد القول: أن الحياة تحتمل جمالا كثيراً. أور!وك، تراث سحر وجمال ومشعل المعرفة
الأول.
سأزوركم غداً، ياصديقي في أور/ وسأقرأ القصيدة في حضرة الناقد، سأنتظر فقط كمشة زبيب و"
كليجة" وقضامة وبيض الحمام " ومنّ السما"
ـ هل أنت رائية جيدة. رامبو يقول :أنا الرائي بحكم تمردي على من في داخلي؟
ج: كما قسوة الشمس، حدّة الصقيع/ ويكسران أفق نظرتي/ في طريقها إلى كُنه الأشياء.
هذه كلمات قالتها القصيدة. الكشف والرؤيا، يحتاجان لقوة روح وبصيرة تنفذ إلى قلب العالم
الحي والجمادات، وهذا يفرض على الفكر أن يتمرد على الثوابت المتوارثة والمحمولة في
الجيننات والأذهان.
أين تقع قصيدتي من هذه الخارطة؟ لا أدري. وعموماً أشعر بانتصار على ذاتي، حين أنجز وأحرر
كلمة وموقفاً. التمرد لذيذ وليس إعلان عصيان وصراخ. إنه جدل وتواطئ سري مع وجوهنا
المتشظية في عتمة مستترة وقلقة. وحدها الكلمة تتنصر في البداية وفي النهاية ونحملها شعلة
ونمضي. هل انتصر رامبو على شياطينه وتمرد وتحقق كما أراد – هو؟ لا أدري!
الشّاعرة: جاكلين سلام
الجزء الثاني من الحوار
ـ يسهم الشعر الأنثوي بصناعة عالم شفاف أو لنقل موسيقى بمزامير جديدة. عندما تشعرين انك
واحدة من الجوقة. بماذا تعلقين؟
ج: أحبَ العزف والغناء والمزامير الشعرية. وأحبَ أن أغني خارج الجوقة. أن أعزف منفرداً
على الثلج والغياب والأساطير العتيقة، بلكنة حداثية. أحبّ أن أبدّل مزامير الأنثى
الوردية الرقيقة والحزينة. أجتهد في تذويق الأوراق برائحة صعاليك تورنتو، مجانين المقهى،
أحذية العابرين، جرابات الشاعر والبرتقال والأناناس.
العالم ليس شفيفاً والكاتبة المرأة ما تزال أسيرة الكورس- طوعاً وقسراً – كتبت مرة نصاً
يصرّح أنّ: المحبرة أنثى والكلام ناقص. كتابة المرأة نافذة للدخول إلى عالمها. واحة
للتعرف على الأمّ والأخت والحبيبة والصديقة. إلى أي مدى نجحت النساء في الإضافة وطرح
الجديد المختلف في الساحة العربية؟! انه سؤالي وأرقب نتاج صديقاتي علّني أتلمس خريطة
الروح الأنثوية. أمامنا الكثير الذي لم ينجز حتى في الحبر والحلم.
تقول الكاتبة الكندية الكبيرة" مارغريت أوتوود" في شهادة لها"أنْ لم يكن لدينا أشياء
جميلة نقولها نحن النساء، فالأفضل أن نسكت، كان الصمت هو البديل الوحيد المسموح" ولكن
تغير العالم اليوم ومارغريت أتوود تكتب روايات عالمية وتتكهن بالمستقبل، والعالم منشغل
اليوم بما كتبته" اوتوود" منذ عشرين عاماً في رواية، تتخيل تفاصيل،تخص تاريخ امريكا
المعاصر والبيت الأبيض البعيد عن الشفافية.
ـ الكنديون بسبب الشتاء الطويل ينعزلون حتى في تراثهم. ثمة آيائل وأثنيات وبطريق ..هل
ثمة حلب في كندا ؟
ج: هذا البلد الخليط، الإنسان الأبيض والهندي الأحمر/ النسيج الذي تجتمع في لحمته وسدّته
كل الألوان والأعراق والثقافات، جعلت له خصوصية مميزة، ربما لم تصل بعد إلى القارئ
العربي، بحكم الترجمات التي أعتقد أنها قليلة. عالم متناقض يحاصره الإسمنت والبنايات
الشاهقة، وعلى الضفة الأخرى تقيم الأيائل والغزالات والدببة والسناجب وطيور البط والوز
وحيوانات كثيرة للأسف أجهل أسمها/ لأنني مازلت غريبة– الى حد ما. كل هذا يحضر في
كتاباتهم ويأتي المهاجرون ليضيفوا تفاصيلهم وذائقتهم وألوانهم الخاصة. هل أحضرتُ شوارع
حلب وياسمينها وقلعتها ومسارحها إلى قصيدة تركض في زواريب الغربة؟ لا أعتقد. كل ما كتبته
من حنين وتشظ بين زمانين ومكانين لم يلامس بعد قرارة المكان الأول- البيت والمدرسة
الطفولة – الجامعة وحلب والشباب والجنون الحالم.
ـ يقول ألفس بريسلي : متعتي أنني أغني لك يامنفيس. متعتك أنك تغنين ..لمن ؟ أقصد الغناء
. القصيدة!
ج: المتعة الأولى أنني أغني لي، أشعر بالذهول حين أكتشفني من خلال كلماتي. أقيم في أفراح
وأحزان العالم كما أراه وكما أشعره، أحبَ صوتي حين أنتمي إليه، وعلى علاّته وبلا غرور.
متعة/ أنني بهذا ألامسُ قرارة قارئ(ة ) مجهول، لا أعرفه، ولن يعرفني بأكثر من كوني سطرا
وهواجس وقصيدة. كنا صغارا وفشلنا حتى في الحلم، أعتقدنا أننا نكتب " للشعب " ونغني له،
ويا حرام كم ظُلم هذا الشعب بحجة أننا في مهام " رسولية " وسننقذه من الخرابة ونهبه
الحياة.
ـ هناك أداء للرقص في حواف الجمل. ثمة كائن يختبئ بساقين ناعمين خلف كل عنوان. هل هو
جاكلين سلام ؟
ج: حين كنت صغيرة وخجولة، لم أطلق ساقي للرقص والريح. لم أطلق أصابعي في رحلة الحبر كما
يجب.
القفز في الأعالي، التحليق، الرقص ما يزال يأسرني مازلت أحلم أن أكتب الرقص والماء
والطيران. هذه المعصيات لا تسلمني سلسبيلها بهدوء وألفة، وما تزال تنقصني الحكمة والحنكة
والمعرفة كي أقلب بساط الريح وأرقص القصيدة في الوقت والمكان الأسمى، الأعلى. مجموعتي
الشعرية القادمة اخترتُ لها عنواناً " رقص مشتبهٌ به" – كان حلم الطفولة يراودني مراراً،
الرقص الإيمائي فوق الغيوم!
ـ أنت من الذين يحبون سومر وإرثها. وتحدثت الى انكيدو في أكثر من نص. حين تعيدين إليه
الحياة بقصيدة هل تتوقفين عن الكتابة؟
ج: نعم أجدني مأخوذة من جديد بتراث وحضارة الإنسان التي ابتدأت من تلك الرقعة وحيث جذوري
سريانية وغائمة.الرؤية مغبشة وكلما ابتعدت عن المكان، أعود إليه بصيغ أخرى، بدأت أبحث عن
تفاصيل وأسماء ووقائع تاريخية وشفاهية. استغربُ تعطشي الشديد إلى هذا، وحاولت الوصول الى
بعض المسنين المهاجرين، لسماع تفاصيل شفاهية ماتزال تسكن ذاكرتهم. لربما في هذا وقاية
وتعويذة حضارة الإسمنت والروبوت. وأما أنكيدو، هكذا سيبقى، بعيدا عن طريق العودة، يعيش
فقده وفقدانه. لن أتمسك به أيضاً كي لا أتوقف عن الغوص في المحبرة. وربما في هذا الجواب
عودة الى بداية الحوار عن الأمل والغيبوبة والإغتراب. وفي هذا استمرار للخصوبة إبداعاً.
ـ نشعر أن الحضارة تهب علينا بقدرية هائلة من أساطير العولمة وما يسميه ساسة الشرق
الإمبريالية. فكريا الأمر مرهون بالفلاسفة والمفكرين. ونحن الشعراء ماذا نفعل؟
ج: حين يقف الشاعر(ة) في خانة الكتابة والإبداع ينتهي مفهوم " الحياد ". الشعر يفكّر
بطريقته، ويفعل الكثير، يكرس قيم الجمال وفلسفة السمو العدالة والخير، أو ينحاز إلى
الخانة المعاكسة، ويكرس الشقاق والعدوانية والعنصرية. الفلسفة والعلوم كلها، ترفد الشعر
والشاعر، ويبقى لنا أن نختار اللغة والصورة والطريق التي تعكس صورة روحنا، باطن رغباتنا
وظاهرها.
فلسفة الشاعر، صورة ولغة وبيدر من التآويل والمعاني. نسطيع تكريس قيم الجمال والحبّ إذا
امتلأنا بتلك النعم المقدسة. الكاتبة الكندية مارغريت اتوود- شاعرة وروائية وناقدة
معروفة- إصدارها الحالي، مقالات سياسية ومواقف، في حديث لها في الإذاعة قالت: أنالعالم
بعد سقوط جدار برلين و11 سبتمبر وما يجري في العالم، يتطلب موقفاً وصوتاً إلى جانب
كتاباتنا المتخيلة.
ـ غدا تشرق شمس ليوم جديد. في أي حافلة نصعد كي نكسب إعجاب الآخرين؟
ج: سأصعد نحو الشمس، وأرجوها أن تطيل المكوث هنا، في الشمال الأمريكي وأرجوها أن تطيل
المكوث، لستُ أحتاج إلى إعجاب خلّبي، أريد شمساً/ أريد شمساً/ أريد شمساً وقد تهيأتُ
طويلاً للطريق بين شمس وحقيقة.
لا يستهويني القمر، قلتُ لصديق ناقد، ورداً على بحث له، حول علاقة الأنثى الشاعرة
بالقمر" أنني لم أذكر القمر في كتاباتي، إلا ماندر. فاستغربَ! هيا ياصديقات/ لنصعد حافلة
الحياة، ونسكن قمرة الحب المقدس.
ـ سقراط غفى عن الحلم مرة بسبب ثرثرة زوجته فطار منه مؤلف كامل. أنت ياجاكلين سلام. بسبب
ثرثرة المنفى. كم طار منك من المؤلفات؟
ج: جاكلين سلام، صمتتْ طويلاً فخسرت مرحلة من الإبداع، وحين تكلمتْ، إحترق صوتها
الأول.إحترفتْ الكلام حتى أقاصيه، فأكتشفتْ معابرا وطرقا وجراحا لم تعهدها من قبل.
لابأس/ الثرثرة تأخذ معها تفاصيل شعر وقصص وأخبار، ولكنها تصبح حافزاً للصديق(ة)
المتلقي، في توليد فكرة ومعنى، كما تساهم في توسيع رقعة حضورنا البشري الإنساني، الذي
بدأ ينحسر مع سطوة معالم المجتمعات الحداثية. أحب ثرثرة أصدقائي وأعطيهم من وقتي –
افتراضياً أو مادياً- بعضهم – وبعضهن يحفزنني على الكتابة أيضاً ولي أكثر من نص، ومقالة،
يعرفها الأشخاص المعنيون بالمحبة والحضور في يومياتي. لا تكفوا أيها الاصدقاء الجميلون
عن الثرثرة الحميمة في بريدي وأذني- أحتاجكم كي نوسّع خانة الإنسان. وحين تغيبون سأثرثر
لكم عن سنجابي الكندي وعن حيوات أخرى. وليذهب سقراط في السبات، سنثرثر، نتكلم ونبدع حتى
تشرق المرأة الفيلسوفة!
نعيم: أعتقد أن قارئ الحوار سيكتشف في أجوبة جاكلين سلام رائية من وعي يشاكس بعذوبة
الموجة وهي تقطع ذاكرة العاشق جيئة وذهاباً ، وأعترف أن أسئلتي وجدت أجوبتها وأن فخي
الذي أردت أن أوقع به محاورتي في تيه أسئلة الميثلوجيا المقترنة بعاطفة الميكانيك لم
يحقق بعض نبوءة الحوار . ولكنها تمكنت أن تمسك زمام المبادرة بأجوبتها الشاعرية
والحكيمة.
AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1990 Date 15/12/2004
جريدة (الزمان) --- العدد 1990 --- التاريخ 2004 - 12 -15
ونشر في مجلة "الأديب" العراقية. وعدد من المواقع الالكترونية.
تعليقات